قوله عزّ وجلّ: { أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ }، يبادرون إلى الأعمال الصالحة، { وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ }، أي: إليها سابقون، كقوله تعالى: "لما نهوا" أي: إلى ما نهوا، ولما قالوا ونحوها، وقال ابن عباس في معنى هذه الآية: سبقت لهم من الله السعادة. وقال الكلبي: سبقوا الأمم إلى الخيرات.
قوله: { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }، أي: طاقتها، فمن لم يستطع القيام فليصلِّ قاعداً، ومن لم يستطع الصوم فليفطر، { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ }، وهو اللوح المحفوظ، "ينطق بالحق" يبين بالصدق، ومعنى الآية: لا يكلف الله نفساً إلا ما أطاقت من العمل، وقد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ، فهو ينطق به ويبينه. وقيل: هو كتب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة، { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }، ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم، ثم ذكر الكفار. فقال:
{ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ }، أي: في غفلة وجهالة، { مِّنْ هَـٰذَا }، أي: من القرآن، { وَلَهُمْ أَعْمَـٰلٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ }، أي: للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم من دون ذلك، يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله تعالى في قوله: "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون"، { هُمْ لَهَا عَـٰمِلُونَ }، لا بد لهم من أن يعملوها، فيدخلوا بها النار، لما سبق لهم من الشقاوة. هذا قول أكثر المفسرين. وقال قتادة: هذا ينصرف إلى المسلمين، وأن لهم أعمالاً سوى ما عملوا من الخيرات هم لها عاملون، والأول أظهر.
{ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم }، أي: أخذنا أغنياءهم ورؤساءهم، { بِٱلْعَذَابِ }، قال ابن عباس: هو السيف يوم بدر. وقال الضحاك: يعني الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
"اللهم اشدد وَطْأَتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنِّي يوسف" فابتلاهم الله عزّ وجلّ بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف. { إِذَا هُمْ يَجْـئَرُونَ } يضجون ويجزعون ويستغيثون، وأصل الجأر: رفع الصوت بالتضرع.