التفاسير

< >
عرض

فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٢٨
لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٢٩
قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
٣٠
-النور

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا }, أي: إن لم تجدوا في البيوت أحداً يأذن لكم في دخولها فلا تدخلوها، { حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ }، يعني إن كان في البيت قوم فقالوا: ارجع فليرجع ولا يقف على الباب ملازماً، { هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ }، يعني: الرجوع أطهر وأصلح لكم، قال قتادة: إذا لم يؤذن له فلا يقعد على الباب فإن للناس حاجات، وإذا حضر ولم يستأذن وقعد على الباب منتظراً جاز.

وكان ابن عباس يأتي باب الأنصار يطلب الحديث فيقعد على الباب حتى يخرج، ولا يستأذن، فيخرج الرجل ويقول: يا ابن عم رسول الله لو أخبرتني، فيقول: هكذا أُمرنا أن نطلب العلم. وإذا وقف فلا ينظر من شق الباب إذا كان الباب مردودا.

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي "أن رجلاً اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم من ستر الحجرة في يد النبي صلى الله عليه وسلم مَدْرى، فقال: لو علمت أن هذا ينظرني حتى آتيه لطعنت بالمَدْرى في عينيه، وهلْ جُعل الاستئذان إلاّ من أجل البصر" .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "لو أن امرأً اطَّلَعَ عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح" .

قوله تعالى: { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }، من الدخول بالإِذن وغير الإِذن.

ولما نزلت آية الاستئذان قالوا: كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق، ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله عزّ وجلّ:

{ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } أي: بغير استئذن، { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ }، يعني منفعة لكم. واختلفوا في هذه البيوت، فقال قتادة: هي الحانات والبيوت والمنازل المبنية للسابلة ليأووا إليها ويؤووا أمتعتهم إليها، جاز دخولها بغير استئذان، والمنفعة فيها بالنزول وإيواء المتاع والاتقاء من الحر والبرد.

وقال ابن زيد: هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق يدخلونها للبيع والشراء وهو المنفعة. وقال إبراهيم النخعي: ليس على حوانيت السوق إذن.

وكان ابن سيرين إذا جاء إلى حانوت السوق يقول: السلام عليكم أأدخل؟ ثم يلج. وقال عطاء: هي البيوت الخربة، والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من البول والغائط. وقيل: هي جميع البيوت التي لا ساكن لها لأن الاستئذان إنما جاء لئلا يطلع على عورة فإن لم يخف ذلك فله الدخول بغير استئذان، { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }.

قوله عزّ وجلّ: { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ } أي: عن النظر إلى مالا يحل النظر إليه. وقيل: «مِنْ» صلة أي: يغضوا أبصارهم. وقيل: هو ثابت لأن المؤمنين غير مأمورين بغض البصر أصلاً، لأنه لا يجب الغض عما يحل النظر إليه، وإنما أمروا بأن يغضوا عمّا لا يحل النظر إليه، { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ }، عمّا لا يحل، قال أبو العالية: كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا والحرام، إلا في هذا الموضع فإنه أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه، { ذٰلِكَ } أي: غض البصر وحفظ الفرج، { أَزْكَىٰ لَهُمْ }، أي: خير لهم وأطهر،{ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }، يعني عليم بما يفعلون، روي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "يا علي لا تُتبعِ النظرةَ النظرة فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة" .

وروي عن جرير بن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: "اصرف بصرك" .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا زيد بن الحباب، عن الضحاك بن عثمان قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظرُ الرجلُ إلى عورةِ الرجلِ، ولا المرأةُ إلى عورةِ المرأةِ، ولا يُفْضِي الرجلُ إلى الرجلِ في ثوبٍ واحد، ولا تفضي المرأةُ إلى المرأةِ في ثوبٍ واحد" .