التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٦
-النور

معالم التنزيل

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }، اختلف العلماء في قبول شهادة القاذف بعد التوبة، وفي حكم هذا الاستثناء: فذهب قوم إلى أن القاذف ترد شهادته بنفس القذف، وإذا تاب وندم على ما قال وحسنت حالته قُبلت شهادته، سواء تاب بعد إقامة الحدّ عليه أو قبله، لقوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ }، وقالوا: الاستثناء يرجع إلى الشهادة وإلى الفسق، فبعد التوبة تقبل شهادته ويزول عنه اسم الفسق، يروى ذلك عن ابن عباس وعمر، وهذا قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاووس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري وبه قال مالك والشافعي.

وذهب قوم إلى أن شهادة المحدود في القذف لا تقبل أبداً وإن تاب، وقالوا: الاستثناء يرجع إلى قوله: { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ }، وهو قول النخعي وشريح وأصحاب الرأي، وقالوا: بنفس القذف لا ترد شهادته ما لم يحدّ.

قال الشافعي: وهو قبل أن يُحَدَّ شر منه حين يحد، لأن الحدود كفارات، فكيف يردونها في أحسن حاليه ويقبلونها في شر حاليه.

وذهب الشعبي إلى أن حد القذف يسقط بالتوبة، وقال: الاستثناء يرجع إلى الكل.

وعامة العلماء على أنه لا يسقط بالتوبة إلا أن يعفو عنه المقذوف فيسقط كالقصاص يسقط بالعفو، ولا يسقط بالتوبة.

فإن قيل إذا قبلتم شهادته بعد التوبة فما معنى قوله { أَبَداً }؟.

قيل: معناه لا تقبل شهادته أبداً ما دام هو مُصِرًّاً على قذفه، لأن أبد كل إنسان مدته على ما يليق بحاله. كما يقال: لا تقبل شهادة الكافر أبداً: يراد ما دام كافراً.

قوله عزّ وجلّ: { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَٰجَهُمْ }، أي: يقذفون نساءهم، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ }، يشهدون على صحة ما قالوا، { إِلاَّ أَنفُسُهُمْ }، أي: غير أنفسهم، { فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَـٰدَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ }، قرأ حمزة والكسائي وحفص "أربع شهادات" برفع العين على خبر الابتداء، أي: فشهادة أحدهم التي تدرأ الحد أربع شهادات، وقرأ الآخرون بالنصب أي: فشهادة أحدهم أن يشهد أربع شهادات بالله إنَّه لمن الصادقين.