قوله عزّ وجلّ: { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً }، رسولاً ينذرهم، ولكن بعثناك إلى القرى كلها، وحملناك ثقل النذارة جميعها لتستوجب بصبرك عليه ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة.
{ فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم. { وَجَـٰهِدْهُمْ بِهِ } أي: بالقرآن، { جِهَاداً كَبيراً } شديداً.
{ وَهُوَ ٱلَّذِى مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ }، خلطهما وأفاض أحدهما في الآخر، وقيل: أرسلهما في مجاريهما وخلاّهما كما يرسل الخيل في المرج، وأصل "المرج" الخلط والإِرسال، يقال: مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء، { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ }، شديد العذوبة، و"الفرات": أعذب المياه، { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ }، شديد الملوحة. وقيل: أُجاج أي مرّ، { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً }، أي: حاجزاً بقدرته لئلا يختلط العذب بالملح ولا الملح بالعذب، { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } أي: ستراً ممنوعاً فلا يبغيان، ولا يفسد الملحُ العَذْبُ.
{ وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ }، من النطفة، { بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً }، أي: جعله ذا نسب وصهر. قيل: "النسب" ما لا يحل نكاحه، و"الصهر" ما يحل نكاحه، فالنسبُ ما يوجب الحرمة، والصهرُ ما لا يوجبها، وقيل: هو الصحيح ـ: النسب: من القرابة، والصهر: الخلطة التي تشبه القرابة، وهو السبب المحرم للنكاح، وقد ذكرنا أن الله تعالى حرّم بالنسب سبعاً وبالسبب سبعاً في قوله:
{ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ } [النساء: 23]. { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً }.