التفاسير

< >
عرض

يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً
٦٩
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٠
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً
٧١
-الفرقان

معالم التنزيل

{ يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً }، قرأ ابن عامر وأبو بكر «يضاعفُ» و«يخلدُ» برفع الفاء والدال على الابتداء، وشدَّد ابنُ عامر: «يضعَّف»، وقرأ الآخرون بجزم الفاء والدال على جواب الشرط.

{ إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً }، قال قتادة: إلا من تاب من ذنبه، وآمن بربه، وعمل عملاً صالحاً فيما بينه وبين ربه.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله، حدثنا موسى بن محمد، حدثنا موسى بن هارون الحمال، حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي، حدثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباسٍ قال: قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ } الآية، ثم نزلت: { إِلاَّ مَن تَابَ } فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط كفرحه بها وفرحه بـ { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 1-2].

{ فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }، فذهب جماعة إلى أن هذا التبديل في الدنيا؛ قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، والسدي، والضحاك: يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإِسلام، فيبدلهم بالشرك إيماناً، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصاناً.

وقال قوم: يبدل الله سيآتهم التي عملوها في الإِسلام حسناتٍ يوم القيامة، وهو قول سعيد بن المسيب، ومكحول، يدل عليه ما:

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي أحمد الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا أبو عمار الحسين بن حُرَيْث، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم آخر رجل يخرج من النار، يؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، ويخبأ عنه كبارها، فيقال له عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، وهو مقر لا ينكر، وهو مشفق من كبارها، فيقال أعطُوه مكان كل سيئة عملها حسنة، فيقول: ربِّ إنّ لي ذنوباً ما أراها ههنا، قال أبو ذر: لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدتْ نواجذه" .

وقال بعضهم: إن الله عزّ وجلّ يمحو بالندم جميع السيئات، ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة.

قوله عزّ وجلّ: { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً }، قال بعض أهل العلم: هذا في التوبة عن غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا، يعني: من تاب من الشرك وعمل صالحاً أي: أدى الفرائض ممن لم يقتل ولم يَزْنِ، { فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ }، أي: يعود إليه بالموت، { مَتاباً }، حسناً يفضل به على غيره ممن قتل وزنى، فالتوبة الأولى وهو قوله: "ومن تاب" رجوعٌ عن الشرك، والثاني رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة.

وقال بعضهم: هذه الآية أيضاً في التوبة عن جميع السيئات. ومعناه: ومن أراد التوبة وعزم عليها فليتُبْ لوجه الله.

وقوله: { يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ } خبر بمعنى الأمر، أي: ليتب إلى الله. وقيل: معناه فليعلم أن توبته ومصيره إلى الله.