التفاسير

< >
عرض

فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢١
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ
٢٢
-الشعراء

معالم التنزيل

{ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ }، إلى مدين، { فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْماً }، يعني النبوة، وقال مقاتل: يعني العلم والفهم، { وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }.

{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَٰءِيلَ }، اختلفوا في تأويلها فحملها بعضهم على الإِقرار وبعضهم على الإِنكار.

فمن قال هو إقرار، قال عدَّها موسى نعمة منه عليه حيث رباه، ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل، مجازه: بلى وتلك نعمة لك عليّ أن عبّدت بني إسرائيل، وتركتني فلم تستعبدني.

ومن قال: هو إنكار قال قوله: { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } وهو على طريق الاستفهام، أي: أوَ تلك نعمة؟ حذف ألف الاستفهام، كقوله: { فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } [الأنبياء: 34]؟ قال الشاعر:

تَرُوحُ من الحيِّ أو تَبْتَكِرْوماذا يَضُرُّكَ لو تَنْتَظِرْ؟

أي: أتروح من الحي؟

وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة:

لَمْ أَنْسَ يومَ الرَّحِيْلِ وِقفتَهَاوطَرْفُها في دموعِها غَرِقُ
وقولَها والركابُ واقفةٌتَتْركُنِي هكذا وتَنْطَلِقُ؟

أي: أتتركني، يقول تَمُنُّ عليّ أن ربِّيتني، وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملات القبيحة؟.

أو يريد: كيف تمنّ عليّ بالتربية وقد استعبدت قومي، ومن أهين قومه ذُلّ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ.

وقيل: معناه تمنّ علي بالتربية. وقوله: { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَٰءِيلَ } أي: باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم، دُفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهل من يربيني ولم يُلْقوني في اليمِّ، فأي نعمة لك عليّ؟.

قوله { عَبَّدتَّ }، أي: اتخذتهم عبيداً، يقال عبَّدتُ فلاناً، وأعبدته، وتعبدته، واستعبدته، أي اتخذته عبداً.