التفاسير

< >
عرض

مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٥
وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ
٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٧
وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
-العنكبوت

معالم التنزيل

{ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ ٱللَّهِ }, قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومقاتل: من كان يخشى البعث والحساب. والرجاء بمعنى الخوف، وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه: من كان يطمع في ثواب الله، { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ }، يعني: ما وعد الله من الثواب والعقاب. وقال مقاتل: يعني يوم القيامة لكائن.

ومعنى الآية أن من يخشى الله أو يأمله فليستعدّ له، وليعمل لذلك اليوم، كما قال: { { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً } [الكهف: 110] الآية، { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }.

{ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَـٰهِدُ لِنَفْسِهِ }, له ثوابه، و"الجهاد": هو الصبر على الشدة، ويكون ذلك في الحرب، وقد يكون على مخالفة النفس. { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ }، عن أعمالهم وعباداتهم.

{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ }، لنبطلنّها، يعني: حتى تصير بمنزلة ما لم يُعْمل، والتكفير إذهاب السيئة بالحسنة، { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِى كَانُواْ يَعْمَلُونَ }، أي: بأحسن أعمالهم وهو الطاعة، وقيل: نعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن، كما قال: { { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160].

قوله عزّ وجلّ: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً }، أي: براً بهما وعطفاً عليهما، معناه: ووصيّنا الإِنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن.

نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان [الآية 15]، والأحقاف [الآية 15]، في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري، وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس - لما أسلم، وكان من السابقين الأولين وكان باراً بأمه قالت له أمه: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنتَ عليه، أو أموت فتعيّر بذلك أبد الدهر، ويقال: يا قاتل أمه. ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل فأصبحت وقد جهدت، ثم مكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأمره بالبر بوالديه والإِحسان إليهما وأن لا تطعهما في الشرك، فذلك قوله عزّ وجلّ: { وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ }.

وجاء في الحديث: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله"

ثم أوعد بالمصير إليه فقال: { إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }، أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها.