التفاسير

< >
عرض

وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
٢
وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٣
مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ
٤
-الأحزاب

معالم التنزيل

{ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }، قرأ أبو عمرو: «يعملون خبيراً» و«يعملون بصيراً» بالياء فيهما وقرأ غيره بالتاء.

{ وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ } ثِقْ بالله، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }، حافظاً لك، وقيل: كفيلاً برزقك.

قوله عزّ وجلّ: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَين فِى جَوْفِهِ }، نزلت في أبي معمر، جميل بن مَعْمَر الفهري، وكان رجلاً لبيباً حافظاً لما يسمع، فقالت قريش: ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلاّ وله قلبان، وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم، فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في يده، والأخرى في رجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال: انهزموا، قال: فما لك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ فقال أبو معمر: ما شعرت إلا أنهما في رجلي، فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده.

وقال الزهري ومقاتل: هذا مَثَلٌ ضربه الله عزّ وجلّ للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره، يقول: فكما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمّه حتى تكون له أُمّان، ولا يكون له ولد واحد ابن رجلين.

{ وَمَا جَعَلَ أَزْوَٰجَكُمُ ٱللاَّئِى تُظَـٰهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمْ }، قر أهل الشام والكوفة: «اللائي» هاهنا وسورة الطلاق بياء بعد الهمزة، وقرأ قالون عن نافع ويعقوب بغير ياء بعد الهمزة، وقرأ الآخرون بتليين الهمزة، وكلها لغات معروفة، "تظاهرون" قرأ عاصم بالألف وضم التاء وكسر الهاء مخففاً، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء والهاء مخففاً، وقرأ ابن عامر بفتحها وتشديد الظاء، وقرأ الآخرون بفتحها وتشديد الظاء والهاء من غير ألف بينهما.

وصورة الظهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي. يقول الله تعالى: ما جعل نساءكم اللائي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم، ولكنه منكر وزور، وفيه كفارة نذكرها إن شاء الله تعالى في سورة المجادلة.

{ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ }، يعني: من تبنيتموه { أَبْنَآءَكُمْ }، فيه نسخ التبني، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يتبنى الرجل فيجعله كالإِبن المولود له، يدعوه الناس إليه، ويرث ميراثه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، وتبناه قبل الوحي، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهي الناس عن ذلك، فأنزل الله هذه الآية ونسخ التبني، { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَٰهِكُمْ }، لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم وادعاء نسب لا حقيقة له، { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ }، أي: قوله الحق، { وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ }، أي يرشد إلى سبيل الحق.