التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً
٤٥
وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً
٤٦
وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً
٤٧
وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً
٤٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً
٤٩
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥٠
-الأحزاب

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً }, أي: شاهداً للرسل بالتبليغ، ومبشراً لمن آمن بالجنة، ونذيراً لمن كذب بآياتنا بالنار.

{ وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ }، إلى توحيده وطاعته، { بِإِذْنِهِ }، بأمره، { وَسِرَاجاً مُّنِيراً }، سماه سراجاً لأنه يهتدى به كالسراج يستضاء به في الظلمة.

{ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كِبِيراًَ }.

{ ولاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ }، ذكرنا تفسيره في أول السورة، { وَدَع أذاهم }، قال ابن عباس وقتادة: اصبر على أذاهم. وقال الزجاج: لا تجازهم عليه وهذا منسوخ بآية القتال.

{ وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }، حافظاً.

قوله عزّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ }، فيه دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح، حتى لو قال لامرأة أجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق، وقال: كل امرأة أنكِحُها فهي طالق، فنكح، لا يقع الطلاق. وهو قول علي، وابن عباس، وجابر، ومعاذ، وعائشة، وبه قال سعيد بن المسيب، وعروة، وشريح وسعيد بن جبير، والقاسم وطاووس، والحسن، وعكرمة، وعطاء، وسليمان بن يسار، ومجاهد، والشعبي، وقتادة، وأكثر أهل العلم رضي الله عنهم، وبه قال الشافعي.

وروي عن ابن مسعود: أنه يقع الطلاق، وهو قول إبراهيم النخعي، وأصحاب الرأي. وقال ربيعة، ومالك، والأوزاعي: إن عيّن امرأة يقع، وإن عمّ فلا يقع.

وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كذبوا على ابن مسعود، إن كان قالها فزلة من عالم في الرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، يقول الله تعالى: { إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ }، ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد الديموري، أخبرنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا أيوب بن سويد، أخبرنا ابن أبي ذئب عن عطاء، عن جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق قبل النكاح" .

قوله عزّ وجلّ: { مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ }، تجامعوهن، { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا }، تحصونها بالأقراء والأشهر، { فَمَتِّعُوهُنَّ }، أي: أعطوهنّ ما يستمتعن به. قال ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها صداقاً فلها المتعة فإن كان قد فرض لها صداقاً فلها نصف الصداق ولا متعة لها.

وقال قتادة: هذه الآية منسوخة بقوله: { { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [البقرة: 237].

وقيل: هذا أمر ندب، فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر.

وذهب بعضهم إلى أنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية.

{ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }، خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار.

قوله عزّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ ٱللاَّتِىۤ ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ }, أي: مهورهن، { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ }، ردّ عليك من الكفار بأن تسبي فتملك مثل صفية وجويرية، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم، { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ }، يعني: نساء قريش، { وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـٰلَٰـتِكَ }، يعني: نساء بني زهرة، { ٱللاَّتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ }، إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها.

وروى أبو صالح عن أم هانىء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له، لأني لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء، ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل.

{ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }، أي أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق، فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه.

واختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر؟

فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك، لقوله: { وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً }، وأوّل بعضهم الهجرة في قوله: { ٱللاَّتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ } على الإِسلام، أي: أسلمن معك، فيدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة، وكان النكاح ينعقد [في حقه] بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر، وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح لقوله تعالى: { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }، كالزيادة على الأربع ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه ولا مشاركة لأحد معه فيه.

واختلف أهل العلم في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة؟ فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإِنكاح أو التزويج، وهو قول سعيد بن المسيب، والزهري، ومجاهد، وعطاء، وبه قال ربيعة ومالك والشافعي.

وذهب قوم إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والتمليك، وهو قول إبرهيم النخعي، وأهل الكوفة. ومن قال لا ينعقد إلا بلفظ الإِنكاح أو التزويج اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد في حقه بلفظ الهبة، لقوله تعالى: { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإِنكاح أو التزويج كما في حق الأمة لقوله عزّ وجلّ: { إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا }، وكان اختصاصه صلى الله عليه وسلم في ترك المهر لا في لفظ النكاح.

واختلفوا في التي وهبتْ نفسَها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهل كانت عنده امرأة منهن؟.

فقال عبد الله بن عباس، ومجاهد: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه، ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، [وقوله: "إن وهبت نفسها" على طريق الشرط والجزاء.

وقال آخرون: بل كانت عنده موهوبة. واختلفوا فيها] فقال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة الهلالية، يقال لها: أم المساكين.

وقال قتادة: هي ميمونة بنت الحارث.

وقال علي بن الحسين، والضحاك ومقاتل: هي أم شريك بنت جابر من بني أسد.

وقال عروة بن الزبير: هي خولة بنت حكيم من بني سليم.

قوله عزّ وجلّ: { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ }، أي: أوجبنا على المؤمنين، { فِىۤ أَزْوَٰجِهِـمْ }، من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر، { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ }، أي: ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين، { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ }، وهذا يرجع إلى أول الآية أي: أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكي لا يكون عليك حرج وضيق.

{ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.