التفاسير

< >
عرض

ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }، يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه عليهم ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من طاعتهم أنفسهم. وقال ابن زيد: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى فيهم، كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه. وقيل: هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه.

وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم: نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا، فنزلت الآية.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبد الله بن محمد، أخبرنا أبو عامر، أخبرنا فليح، عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة, عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرأوا إن شئتم { ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } فأيما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته، ومن ترك دَيناً أو ضَياعاً فليأتني فأنا مولاه" .

قوله عزّ وجلّ: { وَأَزْوَٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ }، وفي حرف أُبيّ: «وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم» وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد، لا في النظر إليهن والخلوة بهن، فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب، قال الله تعالى: { { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } [الأحزاب: 53]، ولا يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن، هم أخوال المؤمنين وخالاتهم.

قال الشافعي: تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر، وهي أخت أم المؤمنين، ولم يقل هي خالة المؤمنين.

واختلفوا في أنهن هل كنّ أمهات النساء المؤمنات؟ قيل: كن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعاً. وقيل: كنّ أمهات المؤمنين دون النساء. روى الشعبي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها: يا أُمّه! فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم، فبان بهذا أن معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهنّ.

قوله عزّ وجلّ: { وَأُوْلُو ٱلاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ }، يعني: في الميراث، قال قتادة: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة. قال الكلبي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس، فكان يؤاخي بين رجلين فإذا مات أحدهما ورثه الآخر دون عصبته، حتى نزلت هذه الآية { وَأُوْلُو ٱلاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } في حكم الله، { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }، الذين آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، { وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ }، يعني ذوي القرابات، بعضهم أولى بميراث بعض من أن يرثوا بالإِيمان والهجرة، فنسخت هذه الآيةُ الموارثةَ بالمآخاة والهجرة وصارت بالقرابة.

قوله: { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً }، أراد بالمعروف الوصية للذين يتولونه من المعاقدين، وذلك أن الله لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح أن يوصي الرجل لمن يتولاه بما أحب من ثلثه.

وقال مجاهد: أراد بالمعروف النصرة وحفظ الحرمة لحق الإِيمان والهجرة.

وقيل: أراد بالآية إثبات الميراث بالإِيمان والهجرة، يعني وأولوا الأرحام من المؤمنين والمهاجرين بعضهم أولى ببعض، أي: لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً، أي: إلا أن توصوا لذوي قراباتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإِيمان والهجرة، وهذا قول قتادة وعطاء وعكرمة.

{ كَانَ ذَلِكَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُوراً }، أي: كان الذي ذكرت من أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في اللوح المحفوظ مسطوراً مكتوباً. وقال القرظي: في التوراة.