التفاسير

< >
عرض

فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
١٩
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٠
-سبأ

معالم التنزيل

{ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَـٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا }، فاجعل بيننا وبيني الشام فلوات ومفاوز لنركب فيها الرواحل ونتزوّد الأزواد، فعجل الله لهم الإِجابة. وقال مجاهد: بطروا النعمة وسئموا الراحة.

قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: بعِّد بالتشديد من التبعيد، وقرأ الآخرون: باعد، بالألف، وكلِّ على وجه الدعاء والسؤال، وقرأ يعقوب: «ربُّنا» برفع الباء، «باعَدَ» بفتح العين والدال على الخبر، كأنهم استبعدوا أسفارهم القريبة وبطروا وأشروا.

{ وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ }، بالبطر والطغيان. { فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ }، عبرة لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم، { وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ }، فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق. قال الشعبي: لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد، أما غسان فلحقوا بالشام ومرَّ الأزد إلى عمان، وخزاعة إلى تهامة، ومرَّ آل خزيمة إلى العراق، والأوس والخزرج إلى يثرب، وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر، وهو جدّ الأوس والخزرج.

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ }، لعبراً ودلالات، { لِكُلِ صَبَّارٍ }، عن معاصي الله، { شَكور }، لأنعمه، قال مقاتل: يعني المؤمن من هذه الأمة صبورٌ على البلاء شاكرٌ للنعماء. قال مطرف: هو المؤمن إذا أُعْطِيَ شكر وإذا ابْتُلِيَ صبر.

قوله عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ }، قرأ أهل الكوفة: «صدَّق» بالتشديد أي: ظن فيهم ظناً حيث قال: { { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص: 82] { { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } [الأعراف: 17] فصدق ظنه حققه بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه, وقرأ الآخرون بالتخفيف، أي: صدق عليهم في ظنه بهم، أي: على أهل سبأ. وقال مجاهد: على الناس كلهم إلا من أطاع الله، { فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }، قال السدي عن ابن عباس: يعني المؤمنين كلهم لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين، وقد قال الله تعالى: { { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } [الحجر: 42]، يعني: المؤمنين. وقيل: هو خاص بالمؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه.

قال ابن قتيبة: إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله، قال لأغوينّهم ولأضلنّهم، لم يكن مستيقناً وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قاله ظناً، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم. قال الحسن: إنه لم يسلَّ عليهم سيفاً ولا ضربهم بسوط وإنما وعدهم ومنّاهم فاغتروا.