التفاسير

< >
عرض

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٥٠
قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
٥١
يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ
٥٢
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ
٥٣
قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ
٥٤
فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ
٥٥
قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ
٥٦
وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ
٥٧
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ
٥٨
إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
٥٩
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٠
لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ
٦١
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ
٦٢
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ
٦٣
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ
٦٤
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ
٦٥
فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ
٦٦
-الصافات

معالم التنزيل

{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }, يعني: أهل الجنة في الجنة يسأل بعضُهم بعضاً عن حاله في الدنيا.

{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ }، يعني من أهل الجنة: { إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ }، في الدنيا ينكر البعث.

قال مجاهد: كان شيطاناً. وقال الآخرون: كان من الإنس. وقال مقاتل: كانا أخوين. وقال الباقون: كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا، وهما اللذان قصّ الله تعالى خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى: { { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } [الكهف: 32].

{ يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ }، بالبعث.

{ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُراباً وعِظاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ }، مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكار.

{ قَالَ }، الله تعالى لأهل الجنة: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ }، إلى النار. وقيل: يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة: هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف منزلة أخي، فيقول أهل الجنة: أنت أعرف به منا.

{ فَٱطَّلَعَ }، قال ابن عباس: إن في الجنة كُوىً ينظر أهلها منها إلى النار، فاطلعَ هذا المؤمن، { فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ }، فرأى قرينه في وسط النار، وإنما سُمّي وسط الشيء سواءً لاستواء الجوانب منه.

{ قَالَ }، له: { تَٱللهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } والله لقد كدت أن تهلكني، قال مقاتل: والله لقد كدت أن تغويني، ومن أغوى إنساناً فقد أهلكه.

{ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى }، رحمته وإنعامه عليَّ بالإسلام، { لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ }، معك في النار.

{ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلاُْولَىٰ }، في الدنيا، { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } قال بعضهم: يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت: أفما نحن بميتين؟ فتقول لهم الملائكة: لا.

فيقولون: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }، وقيل: إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون. وقيل: يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره.

قال الله تعالى: { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ }، أي: لمثل هذا النعيم الذي ذكره من قوله: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ }، إلى { فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ }.

{ أَذَٰلِكَ } أي: ذلك الذي ذكر لأهل الجنة، { خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ }، التي هي نزل أهل النار، والزقوم: ثمرة شجرة خبيثة مُرّة كريهة الطعم، يُكره أهلُ النار على تناولها، فهم يتزقمونه على أشد كراهية، ومنه قولهم: تزقّم الطعامَ إذا تناوله على كره ومشقة.

{ إِنَّا جَعَلْنَـٰهَا فِتْنَةً لِّلظَّـٰلِمِينَ }، الكافرين وذلك أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعري لصناديد قريش: إن محمداً يخوّفنا بالزقوم، والزقوم بلسان بربر: الزبد والتمر، فأدخلهم أبو جهل بيته، وقال: ياجارية زقمينا، فأتتهم بالزبد والتمر، فقال: تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد.

فقال الله تعالى: { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِىۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ }، قعر النار، قال الحسن: أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.

{ طَلْعُهَا }، ثمرها سمي طلعاً لطلوعه، { كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَـٰطِينِ }، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها، لأن الناس إذا وصفوا شيئاً بغاية القبح قالوا: كأنه شيطان، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس، وهذا معنى قول ابن عباس والقرظي، وقال بعضهم: أراد بالشياطين الحيَّات، والعرب تُسمى الحية القبيحة المنظر شيطاناً. وقيل: هي شجرة قبيحة مرّة منتنة تكون في البادية، تسميها العرب رؤوس الشياطين.

{ فَإِنَّهُمْ لأَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ }، والملء: حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه.