قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ}، نهى الله المؤمنين عن موالاة الكفار، وقال: {أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً}، أي حجة بينةً في عذابكم، ثم ذكر منازل المنافقين، فقال جلّ ذكره:
{إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ}، قرأ أهل الكوفة {فِى ٱلدَّرْكِ} بسكون الراء والباقون بفتحها وهما لغتان كالظعْن والظعَن والنَّهْر والنَّهَر، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: {فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ} في توابيت من حديد مقفلة في النار، وقال أبو هريرة: بيت مقفل عليهم تتوقد فيه النار من فوقهم ومن تحتهم، {وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} مانعاً من العذاب.
{إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ} مِنَ النفاق وآمنوا {وَأَصْلَحُواْ}، عملهم {وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ}، وثقوا بالله {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ}، أراد الإِخلاص بالقلب، لأن النفاق كفر القلب، فَزَوالُه يكون بإخلاص القلب، {فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} قال الفراء: من المؤمنين، {وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ}، في الآخرة {أَجْراً عَظِيماً} يعني: الجنّة، وحذفتِ الياء {من يؤتِ}، في الخط لسقوطها في اللفظ، وسقوطها في اللفظ لسكون اللاّم في «الله».
قوله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ}، أي: إن شكرتم نعماءَهُ {وَءَامَنْتُمْ} به، فيه تقديم وتأخير، وتقديره: إن آمنتم وشكرتم، لأن الشكر لا ينفع مع عدم الإِيمان، وهذا استفهام بمعنى التقرير، معناه: إنه لا يعذب المؤمن الشاكر، فإن تعذيبه عبادَهُ لا يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا يُنقِصُ من سلطانه، والشكرُ: ضدّ الكفر والكفر ستر النعمة، والشكر: إظهارُها، {وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِراً عَلِيماً}، فالشكر من الله تعالى هو الرضى بالقليل من عباده وإضعاف الثواب عليه، والشكر من العبد: الطاعة، ومن الله: الثواب.