التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
١
وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً
٢
-النساء

معالم التنزيل

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ }، يعني: آدم عليه السلام، { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا }، يعني: حواء، { وَبَثَّ مِنْهُمَا }، نشر وأظهر، { رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ }، أي: تتساءلون به، وقرأ أهل الكوفة بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين، كقوله تعالى: (ولا تَعَاوَنُوا)، { وَٱلأَرْحَامَ }، قراءة العامة بالنصب، أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقرأ حمزة بالخفض، أي: به وبالأرحام كما يقال: سألتُك بالله والأرحام، والقراءة الأولى أفصح لأن العربَ لا تكاد تنسق بظاهر على مُكنّى إلا أن تعيد الخافض فتقول: مررتُ به وبزيد، إلا أنه جائز مع قلته، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }، أي: حافظاً.

قوله تعالى: { وَءَاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوَٰلَهُمْ }، قال مقاتل والكلبي: "نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلمّا بلغَ اليتيمُ طلبَ المالَ فمنعه عمه فترافَعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، فلما سمعها العمُّ قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذُ بالله من الحَوْبِ الكبير، فدفع إليه ماله فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: من يوقَ شُحَّ نفسه ويُطعْ ربَّه هكذا فإنه يَحُلُّ دَارَه يعني: جنته، فلما قبض الفتَى ماله أنفق في سبيل الله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: ثبت الأجر وبقيَ الوزرُ فقالوا: كيف بقي الوزرُ؟ فقال: ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده" .

وقوله: { وَءَاتُواْ } خطاب للأولياء والأوصياء، واليتامى: جمع يتيم، واليتيم: اسم لصغيرٍ لا أبَ له ولا جد، وإنما يدفع المال إليهم بعد البلوغ، وسماهم يتامى هاهنا على معنى أنهم كانوا يتامى. { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ } أي: لا تستبدلوا، { ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ }، أي: مالُهم الذي هو حرام عليكم بالحلال من أموالكم، واختلفوا في هذا التبدل، قال سعيد بن المسيب والنخعي والزهري والسدي: كان أولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الرديء، فربّما كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من مال اليتيم ويجعل مكانها المهزولة، ويأخذ الدرهمَ الجيد ويجعل مكانه الزيف، ويقول: درهمٌ بدرهم، فنُهوا عن ذلك. وقيل: كان أهل الجاهلية لا يُورِّثون النساء والصبيان ويأخذ الأكبرُ الميراثَ، فنصيبه من الميراث طيب، وهذا الذي يأخذه خبيث، وقال مجاهد: لا تتعجلِ الرزقَ الحرام قبل أن يأتيَك الحلال. { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَٰلِكُمْ }، أي: مع أموالكم، كقوله تعالى: (من أنصاري إلى الله) أي: مع الله، { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } أي: إثماً عظيماً.