التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً
٩٨
فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً
٩٩
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
١٠٠
-النساء

معالم التنزيل

ثم استثنى أهل العذر منهم، فقال: { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } لا يقدرون على حيلة ولا على نفقة ولا قوة للخروج منها، { وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً }، أي: لا يعرفون طريقاً إلى الخروج. وقال مجاهد: لا يعرفون طريق المدينة.

{ فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ }، يتجاوز عنهم، وعسَى منَ الله واجبٌ، لأنه للإِطماع، والله تعالى إذا أطمع عبداً وصله إليه، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً }، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنتُ أنا وأمي ممن عذر الله، يعني المستضعفين، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدعو لهؤلاء المستضعفين في الصلاة.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا معاذ بن فضالة أنا هشام عن يحيى هو ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه "أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت اللهم أنجِ عياشَ بن أبي ربعية اللّهم أنجِ الوليدَ اللّهم انجِ سلمةَ بن هشام اللَهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللَهم اشْدُدْ وطأتَكَ على مضر، اللّهم اجعلها سنين كسنيِّ يوسف" .

قوله تعالى: { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً }، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: { مُرَاغَماً } أي: مُتَحوَّلاً يتحول إليه، وقال مجاهد: متزحزحاً عمَّا يكره، وقال أبو عبيدة: المُراغم: يُقال: راغمت قومي وهاجرتهم، وهو المُضْطَرَبُ والمَذْهَبُ.

روى أنه لما نزلت هذه الآية سمعها رجل من بني ليث شيخ كبير مريض يقال له جُنْدَع بن ضَمْرة، فقال: والله لا أبيت الليلة بمكة، أخرجوني، فخرجوا به يحملونه على سرير حتى أتوا به التنعيم فأدركه الموت، فصفقَ بيمينه على شماله ثم قال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، فمات فبلغ خبرُه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالوا: لو وَافَى المدينة لكان أتمّ وأوْفَى أجراً، وضحك المشركون وقالوا: ما أدرك هذا ما طلب، فأنزل الله: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ }.

أي: قبل بلوغه إلى مهاجره، { فَقَدْ وَقَعَ } أي: وجب { أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ }، بإيجابه على نفسه فضْلاً منه، { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.