{ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ}، يُجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، {لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ}.
{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ}، يعني: يوم القيامة سميت بذلك لأنها قريبة إذ كل ما هو آت قريب، نظيره قوله عزّ وجلّ:
{ أَزِفَتِ ٱلأَزِفَةُ } [النجم: 57]، أي قربت القيامة. {إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ}، وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر، فهي لا تعود إلى أماكنها، ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا. {كَـٰظِمِينَ}، مكروبين ممتلئين خوفاً وحزناً، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى يضيق به. {مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ}، قريب ينفعهم، {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ}، فيشفع فيهم. {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ}، أي: خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل. قال مجاهد: وهو نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه. {وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ}.
{وَٱللهُ يَقْضِى بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ}، يعني الأوثان، {لاَ يَقْضُونَ بِشَىْءٍ}، لأنها لا تعلم شيئاً ولا تقدر على شيء. قرأ نافع وابن عامر: "تدعون"، بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء. {إِنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ}.
{أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُم قُوَّةً}، قرأ ابن عامر: "منكم" بالكاف، وكذلك هو في مصاحفهم، {وَءَاثَاراً فِى ٱلأَرْضِ}، فلم ينفعهم ذلك. {فَأَخَذَهُمُ ٱللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللهِ مِن وَاقٍ}، يدفع عنهم العذاب.
{ذَلِكَ} أي: ذلك العذاب الذي نزل بهم، {بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ}.
قوله عزّ وجلّ:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَقََٰرُونَ فَقَالُواْ سَـٰحِرٌ كَـذَّابٌ * فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ}، يعني فرعون وقومه، {ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ}, قال قتادة: هذا غير القتل الأول، لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان، فلما بعث موسى عليه السلام أعاد القتل عليهم، فمعناه أعيدوا عليهم القتل، {وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ}، ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته، {وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ}، وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم، {إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ}، أي: يذهب كيدهم باطلاً، ويحيق بهم ما يريده الله عزّ وجلّ.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ}, لملئه، {ذَرُونِىۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ}، وإنما قال هذا لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتله خوفاً من الهلاك، {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ}، أي: وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا، {إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ} يغير، {دِينَكُـمْ}، الذي أنتم عليه، {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ}، قرأ يعقوب وأهل الكوفة "أَوْ أَن يظهر"، وقرأ الآخرون "وأَن يظهَر"، وقرأ أهل المدينة والبصرة وحفص "يُظهِر" بضم الياء وكسر الهاء على التعدية، {ٱلْفَسَادَ} نصب لقوله: {أَن يبدل دينكم}، حتى يكون الفعلان على نسق واحد، وقرأ الآخرون بفتح الياء والهاء على اللزوم، "الفسادُ"، رفع وأراد بالفساد تبديل الدين وعبادة غيره.