التفاسير

< >
عرض

كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
٥
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٦
ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٧
-غافر

معالم التنزيل

{ كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ }، وهم الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح، { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ }، قال ابن عباس: ليقتلوه ويهلكوه. وقيل: ليأسروه. والعرب تسمي الأسير أخيذاً، { وَجَـٰدَلُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ }، ليبطلوا، { بِهِ ٱلْحَقَّ }، الذي جاء به الرسل ومجادلتهم مثل قولهم: { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [إبراهيم: 10]، و { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } [الفرقان: 21] ونحو ذلك، { فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }.

{ وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ }، يعني: كما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة حقت، { عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ }، من قومك، { أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ }، قال الأخفش: لأنهم أو بأنهم أصحاب النار.

قوله عزّ وجلّ: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ }، حملة العرش والطائفون به وهم الكروبيون، وهم سادة الملائكة. قال ابن عباس: حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام. ويروى: أن أقدامهم في تخوم الأرضين، والأرضون والسموات إلى حجزهم، وهم يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سُبّوحٌ قُدّوسٌ ربُّ الملائكة والروح.

وقال ميسرة بن عروبة: أرجلهم في الأرض السفلى، ورؤوسهم خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشد خوفاً من أهل السماء السابعة، وأهل السماء السابعة أشد خوفاً من أهل السماء التي تليها، والتي تليها أشد خوفاً من التي تليها. وقال مجاهد: بين الملائكة والعرش سبعون حجاباً من نور.

وروى محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُذن لي أن أُحدّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" .

وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال: إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام، والعرش يُكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور، لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله، والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة.

وقال مجاهد: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب من نور، وحجاب من ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة.

وقال وهب بن منبه: إن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة، صف خلف صف يطوفون بالعرش، يقبل هؤلاء ويدبر هؤلاء، فإذا استقبل بعضهم بعضاً هلّل هؤلاء وكبّر هؤلاء، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام، أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم، فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم، فقالوا: سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلَّك أنت الله لا إله غيرك، أنت الأكبر، الخلق كلهم لك راجعون، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعو اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا وهو يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر، ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلثمائة عام، وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربعمائة عام، واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجاباً من نار، وسبعين حجاباً من ظلمة، وسبعين حجاباً من نور، وسبعين حجاباً من دُرٍّ أبيض، وسبعين حجاباً من ياقوت أحمر، وسبعين حجاباً من ياقوت أصفر، وسبعين حجاباً من زبرجد أخضر، وسبعين حجاباً من ثلج، وسبعين حجاباً من ماء، وسبعين حجاباً من برد، وما لا يعلمه إلا الله تعالى. قال: ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه، وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة، أما جناحان فعلى وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق، وأما جناحان فيهفو بهما، ليس لهم كلام إلا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.

قوله عزّ وجلّ: { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ }، يصدّقون بأنه واحد لا شريك له.

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد ابن زنجويه، حدثنا عمر بن عبدالله الرقاشي، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا هارون بن رباب، حدثنا شهر بن حوشب قال: حملة العرش ثمانية، فأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، قال: وكأنهم ينظرون ذنوب بني آدم.

قوله عزّ وجلّ: { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا }، يعني يقولون ربنا، { وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً }، قيل: نصب على التفسير، وقيل: على النقل، أي: وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ }، دينك. { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ }، قال مطرِّف: أَنصح عباد الله للمؤمنين هم الملائكة، وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين.