{ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَىْءٍ }، من رياش الدنيا، { فَمَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا }، ليس من زاد المعاد، { وَمَا عِندَ ٱللهِ }، [من الثواب]، { خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }، فيه بيان أن المؤمن والكافر يستويان في أن الدنيا متاع قليل لهما يتمتعان بها فإذا صارا إلى الآخرة كان ما عند الله خيرٌ للمؤمن.
{ وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإِثْمِ } قرأ حمزة والكسائي: "كبير الإثم" على الواحد هاهنا، وفي سورة النجم، وقرأ الآخرون: "كبائر" بالجمع، وقد ذكرنا معنى الكبائر في سورة النساء.
{ وَٱلْفَوَٰحِشَ }، قال السدي: يعني الزنا. وقال مجاهد ومقاتل: ما يوجب الحدّ. { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ }، يحلمون ويكظمون الغيظ ويتجاوزون.
{ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ }، أجابوه إلى ما دعاهم إليه من طاعته، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ }، يتشاورون فيما يبدوا لهم ولا يعجلون { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ }.
{ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ }، الظلم والعدوان، { هُمْ يَنتَصِرُونَ }، ينتقمون من ظالميهم من غير أن يعتدوا. قال ابن زيد: جعل الله المؤمنين صنفين: صنف يعفون عن ظالميهم فبدأ بذكرهم، وهو قوله { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ }، وصنف ينتصرون من ظالميهم، وهم الذين ذكروا في هذه الآية.
قال إبراهيم في هذه الآية: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.
قال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم، ثم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم، ثم ذكر الله الانتصار فقال:
{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }، سمى الجزاء سيئة وإن لم تكن سيئة لتشابههما في الصورة. قال مقاتل: يعني القصاص في الجراحات والدماء.
قال مجاهد والسدي: هو جواب القبيح إذا قال: أخزاك الله تقول: أخزاك الله، وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي.
قال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري ما قوله عزّ وجلّ: { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }؟ قال: أن يشتمك رجل فتشتمه، وأن يفعل بك فتفعل به، فلم أجد عنده شيئاً، فسألت هشام بن حجيرة عن هذه الآية؟ فقال: الجارح إذا جرح يُقتص منه، وليس هو أن يشتمك فتشتمه.
ثم ذكر العفو فقال: { فَمَنْ عَفَا }، عمن ظلمه، { وَأَصْلَحَ }، بالعفو بينه وبين ظالمه، { فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللهِ }، قال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: من كان له على الله أجر فليقم. فلا يقوم إلا من عفا، ثم قرأ هذه الآية. { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ }، قال ابن عباس: الذين يبدؤون بالظلم.
{ وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ }، أي: بعد ظلم الظالم إياه، { فَأُوْلَـٰئِكَ }، يعني المنتصرين، { مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ }، بعقوبة ومؤاخذة.
{ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ }، يبدؤون بالظلم، { وَيَبْغُونَ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ }، يعملون فيها بالمعاصي، { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
{ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ }، فلم ينتصر، { إِنَّ ذَلِكَ }، الصبر والتجاوز، { لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }، حقها وجزمها. قال مقاتل: من الأمور التي أمر الله بها. قال الزجَّاج: الصابر يؤتى بصبره الثواب فالرغبة في الثواب أتم عزماً.