التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ
٢٣
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٤
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ
٢٥
وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٢٦
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢٧
فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٨
-الأحقاف

معالم التنزيل

{ قَالَ }، هود، { إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللهِ }، وهو يعلم متى يأتيكم العذاب { وَأُبَلِّغُكُم مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ }، من الوحي، { وَلَـٰكِنِّىۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ }.

{ فَلَمَّا رَأَوْهُ }، يعني ما يُوعَدُون به من العذاب، { عَارِضاً }، سحاباً يعرض أي يبدو في ناحية من السماء، ثم يطبق السماء، { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ }، فخرجت عليهم سحابة سوداء من وادٍ لهم يقال له "المغيث"، وكانوا قد حبس عنهم المطر، فلما رأوها استبشروا، { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا }، يقول الله تعالى: { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }، فجعلت الريح تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة.

{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ }، مرت به من رجال عاد وأموالها، { بِأَمْرِ رَبِّهَا }، فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجاً من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاء الريح فقلعت أبوابهم وصرعتهم، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال، وكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام، لهم أنينٌ، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم في البحر.

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفرايني، أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ، أخبرنا يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أخبرنا النضر. حدثه عن سليمان بن يسار، "عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه بياض لهواته، وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله إن النّاس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وإذا رأيتَه عُرف في وجهك الكراهية، فقال: يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: { هَـٰذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا }، الآية" .

{ فَأَصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَـٰكِنُهُمْ }، قرأ عاصم، وحمزة، ويعقوب: "يُرى"، بضم الياء "مساكنُهُم" برفع النون، يعني: لا يرى شيء إلاّ مساكنهم، وقرأ الآخرون بالتاء وفتحها، "مساكنَهُم" نصبٌ يعني لا ترى أنت يا محمد إلاّ مساكنهم لأن السكان والأنعام بادت بالريح، فلم يبق إلا هود ومن آمن معه. { كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ }.

{ وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ }, يعني فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول العمر وكثرة المال.

قال المبرد: "ما" في قوله "فيما" بمنزلة الذي، و"إن" بمنزلة ما، وتقديره: ولقد مكنّاهم في الذي ما مكنّاكم فيه.

{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَـٰراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلآ أَبْصَـٰرُهُمْ وَلآ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَىْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِـئَايَـٰتِ ٱللهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }.

{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم }، يا أهل مكة، { مِّنَ ٱلْقُرَىٰ }، كحجر ثمود وأرض سدوم ونحوهما، { وَصَرَّفْنَا ٱلأَيَـٰتِ } الحجج والبينات، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، عن كفرهم فلم يرجعوا، فأهلكناهم يخوّف مشركي مكة.

{ فَلَوْلاَ }، فهلا { نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللهِ قُرْبَاناً ءَالِهَةً }، يعني الأوثان، اتخذوها آلهة يتقربون بها إلى الله عزّ وجلّ، "القربان": كل ما يتقرب به إلى الله عزّ وجلّ، وجمعه:"قرابين"، كالرهبان والرهابين.

{ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ }، قال مقاتل: بل ضلت الآلهة عنهم فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم، { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ }، أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله عزّ وجلّ وتشفع لهم، { وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }، يكذبون أنها آلهة.