التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ
٦
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
٧
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٨
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٩
-الأحقاف

معالم التنزيل

{ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ }, جاحدين، بيانه قوله: { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [القصص: 63].

{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَـٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }, يسمون القرآن سحراًً.

{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ }، محمد من قِبَل نفسه، فقال الله عزّ وجلّ: { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ ٱللهِ شَيْئاً }، لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذّبني على افترائي، فكيف أفتري على الله من أجلكم، { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ }، تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر. { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ }، أن القرآن جاء من عنده، { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }، في تأخير العذاب عنكم، قال الزجاج: هذا دعاء لهم إلى التوبة، معناه: إن الله عزّ وجلّ غفور لمن تاب منكم رحيم به.

{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ }، أي بديعاً، مثل نصف ونصيف، وجمع البِدْع أبداع، أي لست بأول مرسل، قد بُعث قبلي كثير من الأنبياء، فكيف تنكرون نبوتي. { وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ }، اختلف العلماء في معنى هذه الآية:

فقال بعضهم: معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة، فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون، فقالوا: واللات والعزى ما أمْرُنا وأمر محمد عند الله إلا واحد، وما له علينا من مزية وفضل، ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يُفعل به، فأنزل الله { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح:2]، فقالت الصحابة: هنيئاً لك يا نبي الله قد علمنا ما يُفعل بك، فماذا يُفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ } الآية، [الفتح:5]، وأنزل: { { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللهِ فَضْلاً كِبِيراً } [الأحزاب:47]، فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم، وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة، قالوا: إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه وإنما أخبر بغفران ذنبه عام الحديبية، فنسخ ذلك.

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن خارجة ابن زيد قال: "كانت أم العلاء الأنصارية تقول لما قدم المهاجرون المدينة: اقترعت الأنصار على سكنتهم، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون في السكنى، فمرض فمرَّضناه، ثم توفي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي قد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:وما يُدريك أن الله قد أكرمه؟ فقلت: لا والله لا أدري فقال النبي صلى الله عليه وسلم:أما هو فقد أتاه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم قالت: فوالله لا أزكي بعده أحداً أبداً، قالت: ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عيناً تجري فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ذاك عمله" .

وقالت جماعة: قوله { وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُم } في الدنيا، أمّا في الآخرة فقد علم أنه في الجنة، وأن من كذبه فهو في النار، ثم اختلفوا فيه:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما اشتدّ البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم وهو بمكة أرضاً ذات سباخ ونخل رفعت له، يهاجر إليها، فقال له أصحابه: متى تهاجر إلى الأرض التي أُريتَ فسكت، فأنزل الله تعالى هذه الآية { وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُم }، أأترك في مكاني أم أخرج وإياكم إلى الأرض التي رفعت لي؟.

وقال بعضهم { وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدنيا، إما أن أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي، أم أقتل كما قتل من قبلي الأنبياء، وأنتم أيها المُصدِّقون لا أدري تخرجون معي أم تُتْركون، أم ماذا يفعل بكم وأنتم أيها المكذبون، أتُرموْن بالحجارة من السماء أم يُخْسَفُ بكم، أم أي شيء يفعل بكم، مما فعل بالأمم المكذبة؟.

ثم أخبر الله عزّ وجلّ أنه يظهر دينه على الأديان، فقال: { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } [الصف:9]، وقال في أمته: { وَمَا كَانَ ٱللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال:33]، فأخبر الله ما يصنع به وبأمته، هذا قول السدي.

{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ }، أي ما أتبع إلا القرآن، ولا أبتدع من عندي شيئاً، { وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبينٌ }.