التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً
١٨
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٩
وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢٠
-الفتح

معالم التنزيل

{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ }، بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ولا يفروا، { تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ }، وكانت سمرة, قال سعيد ابن المسيب: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة، فقال: أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول: هاهنا وبعضهم: هاهنا، فلما كثر اختلافهم قال: سيروا، قد ذهبت الشجرة.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان "قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: أنتم خير أهل الأرض" ، وكنا ألفاً وأربع مائة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا حجاج، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يسأل: كم كانوا يوم الحديبية؟ قال: كنّا أربع عشرة مائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري أختبأ تحت بطن بعيره.

وروى سالم عن جابر قال: كنا خمس عشرة مائة.

وقال عبد الله بن أبي أوفى: كان أصحاب الشجرة ألفاً وثلثمائة، وكانت أسلم ثُمْنَ المهاجرين،.

وكان سبب هذه البيعة - على ما ذكره محمد بن إسحاق عن أهل العلم - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أبي أمية الخزاعي حين نزل الحديبية، فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له، يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش، فخلَّوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحدٌ يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعزّ بها منّي: عثمان بن عفان، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لِحرب، وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته، فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فنزل عن دابته وحمله بين يديه، ثم أردفه وأجاره حتى بلَّغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنْ شئتَ أنْ تطوفَ بالبيت فطفْ به، قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة" .

وكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، قال بكر بن الأشج: بايعوه على الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل على ما استطعتم.

وقال جابر عبد الله ومعقل بن يسار: لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أنْ لا نفر، فكان أول من بايع بيعة الرضوان من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلاّ جد بن قيس أخو بني سلمة، قال جابر: لكأني أنظر إليه لاَصقاً بإبط ناقته مستتراً بها من الناس، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد ابن فنجويه، حدثنا علي بن أحمد بن نصرويه، حدثنا أبو عمرَان موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني، حدثنا محمد بن رمح، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" .

قوله عزّ وجلّ: { فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ }، من الصدق والوفاء، { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ }، الطمأنينة والرضا، { عَلَيْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }، يعني فتح خيبر.{ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا }، من أموال يهود خيبر، وكانت خيبر ذات عقار وأموال، فاقتسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، { وَكَانَ ٱللهُ عَزِيزاً حَكِيماً }.

{ وَعَدَكُمُ ٱللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا }، وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة، { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ }، يعني خيبر، { وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنكُمْ }، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر وحاصر أهلها همّتْ قبائل من أسد وغطفان أن يُغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة، فكفّ الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم، وقيل: كفّ أيديَ الناس عنكم يعني أهل مكة بالصلح، { وَلِتَكُونَ }، كفهم وسلامتكم، { ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ }، على صدقك ويعلموا أن الله هو المتولي حياطَتَهم وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم، { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً }، يثبتكم على الإِسلام ويزيدكم بصيرة ويقيناً بصلح الحديبية، وفتح خيبر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ثم خرج في بقية المحرم سنة سبع إلى خيبر.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا غَزَا بِنَا قوماً لم يكن يغير بنَا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهيا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذاناً ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمسُّ قدم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد - والله - محمد والخميس، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله أكبر، الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذَرين" .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا أبو علي الحنفيُّ عبيدُ الله بن عبد المجيد، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إِياس بن سلمة، حدثني أبي قال:... خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم.

تاللهِ لولا اللهُ ما اهتديناولا تصدّقنا ولا صلّينا
ونحنُ عن فَضْلِكَ ما اسْتَغْنَيْنَافثبّتِ الأقدامَ إن لاقينا
وأنزلن سكينةً علينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال: أنا عامر، غفر لك ربك، قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد، قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبيَّ الله لولا متعتنا بعامر، قال: فلما قدمنا خيبر خرج ملِكُهم مرحب يخطر بسيفه يقول:

قد علمت خيبرُ أنّي مرحبشاكي السلاح بطلٌ مجرِّبُ
إذا الحروب أقبلت تلهُّب

قال: وبرز له عمي عامر، فقال:

قد علمت خيبرُ أنّي عامرُشاكي السلاح بطلٌ مغامِرُ

قال فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله، وكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: بَطَلَ عملُ عامر قَتلَ نفسَه، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله بَطلَ عملُ عامر قتل نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال ذلك؟ قلت: ناس من أصحابك، قال: كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين" ، ثم أرسلني إلى علي رضي الله عنه - وهو أرمد - فقال: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال: فأتيتُ علياً رضي الله عنه فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه فبرأ، وأعطاه الراية، وخرج مرحب فقال:

قد عَلِمَتْ خيبرُ أني مَرْحَبُشاكي السلاحِ بطلٌ مجرّب
إذا الحروب أقبلت تلهَّبُ

فقال علي رضي الله عنه:

أنا الذي سَمّتني أُمّي حَيْدَرَهْكليثِ غاباتٍ كريهِ المَنْظَرَهْ
أُوْ فِيْهم بالصَّاع كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.

وروى حديث خيبر جماعة: سهل بن سعد، وأنس، وأبو هريرة، يزيدون وينقّصون، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه رَايةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع فأخذها عمر رضي الله عنه فقاتل قتالاً شديداً، هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسولَهُ ويحبه الله ورسولُه يفتح الله على يديه، فدعا عليَّ بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال: امشِ ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك" ، فأتى مدينة خيبر، فخرج مرحب، صاحب الحصن، وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز، فبرز إليه علي فضربه فقدَّ الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس، ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، يرتجز فخرج إليه الزبير بن العوام، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: أيقتل ابني يا رسول الله؟ قال: بل ابنك يقتله إن شاء الله، ثم التقيا فقتله الزبير، ثم لم يزل رسول الله يفتح الحصون، ويقتل المقاتلة ويسبي الذرية، ويحوز الأموال.

قال محمد بن إسحاق: وكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن سلمة، ألقت عليه اليهود حجراً فقتله، ثم فتح العموص، حصن ابن أبي الحقيق، فأصاب منه سبايا، منهم صفية بنت حيي بن أخطب، جاء بلال بها وبأخرى معها، فمرّ بهما على قتلى من قتلى يهود، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعزبوا عني هذه الشيطانة، وأمر بصفية فحيزت خلفه، وألقى عليها رداءه، فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفاها لنفسه، وقال رسول الله لبلال، لما رأى من تلك اليهودية ما رأى: أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما، وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمراً وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها، فقال: ما هذا إلا أنك تتمنين مَلِكَ الحجاز محمداً، فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وبها أثر منهَا فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجها كنانة بن الربيع، وكان عنده كنز بني النضر فسأله، فجحده أن يكون يعلم مكانه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من اليهود فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قَدْ رأيتُ كنانة يطوف بهذه الخربة كل غداة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة: أرأيت إن وجدناه عندك أنقتلك؟قال: نعم؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله ما بقي فأبى أن يؤديه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال: عذبه حتى تستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغَلَس، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمسّ فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل القرية قال: "الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذَرين" ، قالها ثلاثاً، وخرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: محمد. قال عبد العزيز، وقال بعض أصحابنا: والخميس يعني: الجيش، قال: فأصبناها عنوة، فجمع السبي فجاء دحية فقال: يا نبي الله أعطني جارية من السبي، قال: اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أعطيتَ دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلاّ لك، قال: ادعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها، قال: فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها، فقال له ثابت: يا أبا حمزة ما أصدقها؟ قال: نفسَها، أعتقها وتزوجها، حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروساً، فقال: من كان عنده شيء فليجيء به، وبسط نطعاً فجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الآخر يجيء بالسمن، قال: وأحسبه قد ذكر السويق، قال: فحاسوا حيساً فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد الشيباني قال: سمعت ابن أبي أوفى يقول: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحُمُر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت القدور نادَى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفئوا القدور ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئاً، قال عبد الله: فقلنا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس. وقال آخرون: حرمها البتة، وسألت سعيد بن جبير فقال: حرمها البتة.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، أخبرنا خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، قال: ما كان الله ليسلطك على ذلك، أو قال عليّ: قال: قالوا ألاَ تقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال محمد بن إسماعيل: قال يونس، عن الزهري قال عروة، قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوانٌ وجدتُ انقطاع أبهري من ذلك السم" .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن بشار، أخبرنا حرمي، أخبرنا شعبة قال أخبرني عمارة، عن عكرمة، عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، أخبرني نافع، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين، فسأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم على أن يكفوا العمل ولهم نصف التمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نقرُّكم على ذلك ما شئنا. فأُقروا حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحاء.

قال محمد بن إسحاق: فلما سمع أهل فدك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن لهم دماءهم، ويخلوا له الأموال، ففعل. ثم إن أهل خيبر سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم الأموال على النصف، ففعل على أنا إذا شئنا أخرجناكم، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك، فكانت خيبر للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصليَّة، وقد سألت أيّ عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها السم، وسمّمت سائر الشاة، ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يَخْفَ عليك، فقلت: إن كان ملكاً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيخبر، فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بشر ابن البراء من أكلته التي أكل.

قال: ودخلت أم بشر بن البراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوده في مرضه الذي توفي فيه، فقال: "يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري" وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله من النبوة.