التفاسير

< >
عرض

مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٩٩
قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٠٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٠١
-المائدة

معالم التنزيل

{ مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [التبليغ]، { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }.

{ قُل لاَّ يَسْتَوِى ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ }، أي: الحلال والحرام، { وَلَوْ أَعْجَبَكَ }، سرّك، { كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ }، نزلت في شُريح بن [ضُبيعة] البكري، وحجاج بن بكر بن وائل، { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ }، ولا تتعرّضوا للحجاج وإن كانوا مشركين، وقد مضت القصة في أول السورة، { يٰأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

قوله عزّ وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }، الآية أخبرنا عبدالواحد المليحي أنا أحمد بن عبدالله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا حفص بن عمر أنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحْفَوْهُ بالمسألة، فغضب فصعِد المنبر فقال: "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بيَّنْتُه لكم، فجعلتُ أنظر يميناً وشمالاً فإذا كلّ رجلٍ لافٌ رأسه في ثوبه يبكي، فإذا رجل كان إذا لاَحَى الرجالَ يُدعى لغير أبيه، فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: حُذَافةُ، ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، نعوذ بالله من الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إني صُوِّرتْ لي الجنةُ والنّارُ حتى رأيتهما وراء الحائط" ، وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }.

قال يونس عن ابن شهاب: أخبرني عبيدالله بن عبدالله قال: قالت أم عبدالله بن حذافة لعبدالله بن حذافة: ما سمعت بابن قط أعقّ منك، أَأَمنْتَ أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبدالله بن حذافة: لو ألحقني بعبد أسود للحقته. ورُوي عن عمر قال: يا رسول الله إنّا حديثو عهد بجاهلية فاعفُ عنا يعف الله سبحانه وتعالى عنك، فسكن غضبه.

أخبرنا عبدالواحد المليحي أنا أحمد بن عبدالله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا الفضل بن سهل أخبرنا أبو النضر أنا أبو خيثمة أنا أبو جويرية عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل: مَنْ أبي؟ ويقول الرجل تضلّ ناقته أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }، حتى فرغ من الآية كلها. ورُوي عن عليّ رضي الله عنه قال: "لما نزلت: { وللّهِ على النّاسِ حِجُّ البيت } قال رجل: يا رسول الله أفي كل عام فأعرض عنه فعاد مرتين أو ثلاثاً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما يُؤمنك أن أقول نعم؟ والله لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، فاتركوني ما تركتم فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" ، فأنزل الله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }.أي: إن تظهر لكم تسؤكم، أي: إن أمرتم بالعمل بها فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به في كل فيسوءه، ومن سأل عن نسبه لم يأمن من أن يلحقه بغيره فيفتضح.

وقال مجاهد: نزلت حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحَام، ألا تراه ذكرها بعد ذلك؟ { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ }، معناه صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض أو نهى أو حكم، وليس في ظاهره شرح ما بكم إليه حاجة ومست حاجتكم إليه، فإذا سألتم عنها حينئذ تبدُ لكم، { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }.