التفاسير

< >
عرض

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١١٧
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١١٨
-المائدة

معالم التنزيل

{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ }، [وحِّدوه] ولا تُشركوا به شيئاً، { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ }، أقمت، { فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى }، قبضتني ورفعتني إليك، { كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } والحفيظ عليهم، تحفظ أعمالهم، { وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ }.

قوله تعالى: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }، فإن قيل: كيف طلب المغفرة لهم وهم كفار، وكيف قال: وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، وهذا لا يليق بسؤال المغفرة، قيل: أمّا الأول فمعناه إن تعذبهم بإقامتهم على كفرهم وإن تغفر لهم بعد الإيمان، وهذا يستقيم على قول السدي: إن هذا السؤال قبل يوم القيامة لأن الإيمان لا ينفع في القيامة.

وقيل: هذا في فريقين منهم، معناه: إن تعذب من كفر منهم وإن تغفر لمن آمن منهم.

وقيل: ليس هذا على وجه طلب المغفرة ولو كان كذلك لقال: فإنك أنت الغفور الرحيم، ولكنه على تسليم الأمر وتفويضه إلى مراده.

وأما السؤال الثاني: فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور الرحيم، وكذلك هو في مصحفه، وأمّا على القراءة المعروفة قيل: فيه تقديم وتأخير تقديره: وإن تغفر لهم فإنهم عبادك وإن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم.

وقيل: معناه إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز في الملك الحكيم في القضاء لا ينقص من عزّك شيء، ولا يخرج من حكمك شيء، ويدخل في حكمته ومغفرته وسعة رحمته ومغفرته الكفار، لكنه أخبر أنه لا يغفر وهو لا يخلف خبره.

أخبرنا إسماعيل بن عبدالقاهر أنا عبدالغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني يونس بن عبدالأعلى الصدفي حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدّثه عن عبدالرحمن بن جبير عن عبدالله بن عمرو بن العاص "أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم: { ربِّ إنهنَّ أضللن كثيراً من الناس فمنْ تبعني فإنه مني }، الآية، وقول عيسى عليه السلام: { إنْ تعذبهم فإنهم عبادك وإنْ تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } فرفع يديه وقال: اللّهمّ أمتي وبكى فقال الله عزّ وجلّ: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربُّك أعلم فسله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنّا سنرضيك في أمتك ولا نسوءُك" .