التفاسير

< >
عرض

فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٥
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ
٨٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ
٨٧
وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ
٨٨
-المائدة

معالم التنزيل

{ فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ }، أعطاهم الله، { بِمَا قَالُواْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا }، وإنّما أنجح قولهم وعلق الثواب بالقول لاقترانه بالإخلاص، بدليل قوله: { وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ }، يعني: الموحدين المؤمنين، وقوله من قبل: { تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ }، يدل على أن الإخلاص والمعرفة بالقلب مع القول يكون إيماناً.

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـايَـٰتِنَآ أُوْلَـٰۤئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ }.

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ }، الآية قال أهل التفسير: "ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوماً ووصف القيامة فرقَّ له الناس وبكوا، فاجتمع عشرة من أصحابه في بيت عثمان بن مظعون الجمحي، وهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر، وأبو ذر الغفاري، وسالم مولى أبي حذيفة، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، ومعقل بن مقرِّن رضي الله عنهم، وتشاوروا واتفقوا على أن يترهبوا ويلبسوا المسوح ويجبُّوا مذاكيرهم، ويصوموا الدهر، ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم والودك، ولا يقربوا النساء والطيب، ويسيحوا في الأرض، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكيم بنت أبي أمية، واسمها الخولاء، وكانت عطارة: أحقُّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهت أن تبدي على زوجها، فقالت: يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عثمان أخبرته بذلك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، وما أردنا إلا الخير، فقال:(إني لم أؤمر بذلك)، ثم قال: (إن لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدسم وآتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس مني)، ثم جمع الناس وخطبهم فقال: ما بال أقوام حرّموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا [النساء]؟ أما إني فلستُ آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء، ولا اتخاذ الصوامع، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد، اعبدو الله ولا تشركوا به شيئاً، وحجّوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتُوا الزكاة، وصوموا رمضان واستقيموا يُستقمْ لكم، فإنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع،" " فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن أبي توبة الكشميهني أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبدالله بن محمود أنا إبراهيم بن عبدالله الخلال أنا عبدالله بن المبارك عن رشْدين بن سعد حدثني ابن أنْعُم عن سعد بن مسعود. أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنْ لنا في الاختصاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منّا من خصي ولا من اختصى، خصاء أمتي الصيام" ، فقال: يا رسول الله ائذن لنا في السياحة، فقال: "إنّ سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله" ، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن لنا في الترهب، فقال: "إن ترهّب أمتي الجلوس في المساجد وانتظار الصلاة"

ورُوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أصبت من اللحم فانتشرت وأخذتني شهوة، فحرّمت اللحم، فأنزل الله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ }، يعني: اللذات التي تشتهيها النفوس، مما أحلّ الله لكم من المطاعم الطيبة والمشارب اللذيدة، { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ }، ولا تجاوزوا الحلال إلى الحرام، وقيل: هو جبّ المذاكير { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ }.

{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً }، قال عبدالله بن المبارك: الحلال ما أخذته من وجهه، والطيب ما غذى وأنمى، فأما الجوامد كالطين والتراب وما لا يغذي فمكروه إلا على وجه التداوي.

{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِىۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }.أخبرنا أبو محمد عبدالله بن عبد الصمد الجوزجاني أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب أنا أبو عيسى الترمذي أخبرنا أحمد بن إبراهيم الدورقي وسلمة بن شبيب ومحمود بن غيلان قالوا: أخبرنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبُّ الحلواءَ والعسلَ).