قوله عزّ وجلّ: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ }، سبب نزول هذه الآية أنّ الصحابة رضوان الله عليهم قالوا لمّا نزل تحريم الخمر: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر [ويأكلون] من مال الميسر؟ فأنزل الله تعالى: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ }، وشَرِبُوا من الخمر وأكلوا من مال الميسر، { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ }، الشركَ، { وَءامَنُواْ }، وصدّقوا، { وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَـٰتِ ثُمَّ اتَّقَواْ }، الخمر والميسرَ بعد تحريمهما، { وَءَامَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ }، ما حرّم الله عليهم أكله وشربه، { وأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }، وقيل: معنى الأول إذا ما اتّقوا الشرك، وآمنوا وصدقوا ثمّ اتّقوا، أي: داومُوا على ذلك التقوى، { وآمنوا } وازْدادوا إيماناً، ثم اتقوا المعاصي كلها وأحسنوا، وقيل: أي: اتقوا بالإحسان، وكلُّ محسن متقٍ، { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }.
قوله عزّ وجلّ: { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَىْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } الآية، نزلت عام الحديبية وكانوا محرمين ابتلاهم الله بالصيد، وكانت الوحوش تغشى رحالهم من كثرتها فهمّوا بأخذها فنزلت: { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ } ليختبرنّكم الله، وفائدة البلوى إظهار المطيع من العاصي، وإلا فلا حاجة له إلى البلوى بشيء من الصيد، وإنما بعض، فقال { بِشَىْءٍ } لأنه ابتلاهم بصيد البرِّ خاصةً. { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ }، يعني: الفرخ والبيض وما لا يقدر أن يفرّ من صغار الصيد، { وَرِمَـٰحُكُمْ }، يعني: الكبار من الصيد، { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ }، ليرى الله، لأنه قد علمه، { مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ }، أي: يخاف الله ولم يره؛ كقوله تعالىٰ:
{ { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } [الأنبياء: 49]، أي: يخافه فلا يصطاد في حال الإحرام، { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ }، أي: صاد بعد تحريمه، { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }، رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال؛ [يوجع] ظهره وبطنه جلداً، ويُسلب ثيابه.