قوله عزّ وجلّ: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَٰنُ لُوطٍ * وَأَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ }، وهو تُبَّع الحميري، واسمه أسعد أبو كرب، قال قتادة: ذم الله تعالى قوم تبع ولم يذمه، ذكرنا قصته في سورة الدخان.
{ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ }، أي: كل من هؤلاء المذكورين كذب الرسل، { فَحَقَّ وَعِيدِ }، وجب لهم عذابي. ثم أنزل جواباً لقولهم "ذلك رجع بعيد".
{ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ }، يعني: أعجزنا حين خلقناهم أولاً فنعيا بالإِعادة. وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث، ويقال لكل من عجز عن شيء: عيي به. { بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ }، أي في شكٍ، { مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ }، وهو البعث.
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ }، يحدث به قلبه ولا يخفى علينا سرائره وضمائره، { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ }، أعلم به، { مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }، لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضاً، ولا يحجب علمَ الله شيءٌ و"حبل الوريد": عرق العنق، وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين، يتفرق في البدن، والحبل هو الوريد، فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين.
{ إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ }، أي: يتلقى ويأخذ الملكان الموكلان بالإِنسان عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه، { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ }، أي أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات. { قَعِيدٌ }، أي: قاعد، ولم يقل قعيدان، لأنه أراد: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فاكتفى بأحدهما عن الآخر، هذا قول أهل البصرة، وقال أهل الكوفة: أراد: قعوداً، كالرسول فجعل للاثنين والجمع، كما قال الله تعالى في الاثنين:
{ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الشعراء:16]، وقيل: أراد بالعقيد الملازم الذي لا يبرح، لا القاعد الذي هو ضد القائم. وقال مجاهد: القعيد الرصيد.