التفاسير

< >
عرض

مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ
٣٣
ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ
٣٤
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ
٣٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
٣٧
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
٣٨
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ
٣٩
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ
٤٠

معالم التنزيل

{ مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ }، محل "مَنْ" جر على نعت الأوّاب. ومعنى الآية: من خاف الرحمن وأطاعه بالغيب ولم يره. وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب. { وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ }، مخلص مقبل إلى طاعة الله.

{ ادْخُلُوهَا }، أي: يُقال لأهل هذه الصفة: ادخلوها، أي: ادخلوا الجنة. { بِسَلَـٰمٍ }، بسلامة من العذاب والهموم. وقيل: بسلام من الله وملائكته عليهم. وقيل: بسلامة من زوال النعم، { ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ }.

{ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا }، وذلك أنهم يسألون الله تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطَوْن ما شاؤوا، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه، وهو قوله: { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }، يعني الزيادة لهم في النعيم ما لم يخطر ببالهم. وقال جابر وأنس هو النظر إلى وجه الله الكريم.

قوله عزّ وجلّ: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ }، ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا، وأصله من النقب، وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق، { هَلْ مِن مَّحِيصٍ }، فلم يجدوا محيصاً من أمر الله. وقيل: "هل من محيص" مفرّ من الموت؟ فلم يجدوا منه مفرّاً، وهذا إنذار لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفراً عن الموت يموتون، فيصيرون إلى عذاب الله.

{ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ }، فيما ذكرت من العبر والعذاب وإهلاك القرى، { لَذِكْرَىٰ }، تذكرة وعظة، { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ }، قال ابن عباس: أي عقل. قال الفرَّاء: هذا جائز في العربية، تقول: مالكَ قلب، وما قلبك معك، أي ما عقلك معك. وقيل: له قلب حاضر مع الله. { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ }، استمع القرآن، واستمع ما يقال له، لا يحدث نفسه بغيره، تقول العرب: ألقِ إليَّ سمعكَ، أي استمعْ، { وَهُوَ شَهِيدٌ }، أي حاضر القلب ليس بغافل ولا ساه.

قوله عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }، إعياء وتعب.

نزلت في اليهود حيث قالوا يا محمد أخبرنا بما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة، فقال: "خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء، والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء، والسموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة، وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم" قالوا: صدقتَ إن أتممت، قال: وما ذاك؟ قالوا: ثم استراح يوم السبت، واستلقى على العرش، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردّاً عليهم.

{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ }، من كذبهم فإن الله لهم بالمرصاد، وهذا قبل الأمر بقتالهم، { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ }، أي: صلِّ حمداً لله، { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ }، يعني: صلاة الصبح، { وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ }، يعني: صلاة العصر. ورُوي عن ابن عباس قال: "قبل الغروب": الظهر العصر.

{ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْهُ }، يعني: صلاة المغرب والعشاء. وقال مجاهد: "ومن الليل" أي: صلاة الليل أيّ وقتٍ صلّى. { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } قرأ أهل الحجاز وحمزة: "وإِدبار السجود" بكسر الهمزة، مصدر أدبر إدباراً، وقرأ الآخرون بفتحها على جمع الدبر.

قال عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، والحسن، والشعبي، والنخعي، والأوزاعي: "أدبار السجود" الركعتان بعد صلاة المغرب، وأدبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر. وهي رواية العوفي عن ابن عباس. وروي عنه مرفوعاً، هذا قول أكثر المفسرين.

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أو جعفر محمد بن عبد الجبار الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا أبو أيوب الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشدَّ مُعَاهدةً منه على الركعتين أمام الصبح.

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا أبو عَوانة عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوْفَى، عن سعيد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها" .

أخبرنا أبو عثمان الضبي، أخبرنا أبو محمد الجراحي، أخبرنا أبو العباس المحبوبي، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا بَدل بن المحبَّ، حدثنا عبد الملك بن معدان عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما أُحصي ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر: بقلْ يا أيها الكافرون، وقلْ هو الله أحد.

قال مجاهد: { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } هو التسبيحُ باللسانِ في أدبار الصلوات المكتوبات.

أخبرنا أبو الحسن طاهر بن الحسين الرُّوقي الطوسي بها، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن أيوب، أخبرنا مسدد، حدثنا خالد هو ابن عبد الله، حدثنا سهيل عن أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سبّحَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وكبّر الله ثلاثاً وثلاثين، وحَمِدَ الله ثلاثاً وثلاثين، فذلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غُفرت خطاياهُ وإنْ كانتْ مثلَ زبد البحر" .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إسحاق، أخبرنا يزيد أخبرنا ورقاء عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: "قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم، قال: كيف ذاك؟ قالوا: صلّوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا، وأنفقوا من فضول أموالهم وليستْ لنا أموال، قال: أفلا أخبركم بأمر تدركون من كان قبلكم وتسبقون من جاء بعدكم، ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلاّ من جاء بمثله: تسبحون في دُبِرِ كلِّ صلاةٍ عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً" .