قوله عزّ وجلّ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَٰهِيمَ}، ذكرنا عددهم في سورة هود، {ٱلْمُكْرَمِينَ}، [قيل: سماهم مكرمين] لأنهم كانوا ملائكة كراماً عند الله، وقد قال الله تعالى في وصفهم:
{ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء:26]، وقيل: لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وكان إبراهيم أكرم الخليقة، وضيف الكرام مكرمون. وقيل: لأن إبراهيم عليه السلام أكرمهم بتعجيل قِراهم، والقيام بنفسه عليهم بطلاقة الوجه.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: خدمته إياهم بنفسه.
وروي عن ابن عباس: سماهم مكرمين لأنهم جاؤوا غير مدعوين. وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فليكرمْ ضيفَه" . {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}، أي: غرباء لا نعرفكم، قال ابن عباس: قال في نفسه هؤلاء قوم لا نعرفهم. وقيل: إنما أنكر أمرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.
{فَرَاغَ}، فعدل ومال، {إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}، مشوي.
{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ}، ليأكلوا فلم يأكلوا، {قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَـٰمٍ عَلَيمٍ * فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ}، أي: صيحة، قيل: لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان، وإنما هو كقول القائل: أقبل يشتمني، بمعنى أخذ في شتمي، أي أخذت تُوَلْوِلُ كما قال الله تعالى:
{ قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ } [هود:72]، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا}، قال ابن عباس: لطمت وجهها. وقال الآخرون: جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجباً، كعادة النساء إذا أنكرن شيئاً، وأصل الصّكِّ: ضرب الشيء بالشيء العريض. {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}، مجازه: أتلدُ عجوز عقيم؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك. {قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ}، أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاماً، {إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ}.
{قَالَ}، يعني: إبراهيم، {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ}، يعني: قوم لوط.
{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ * مُّسَوَّمَةً}، معلّمة، {عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}، قال ابن عباس: للمشركين، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها.
{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا}، أي: في قرى قوم لوط، {مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}، وذلك قوله:
{ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ } [هود:81]. {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ}، أي غير أهل بيت، {مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ}، يعني لوطاً وابنتيه، وصفهم الله تعالى بالإِيمان والإِسلام جميعاً لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم.
{وَتَرَكْنَا فِيهَآ}، أي في مدينة قوم لوط، {ءَايَةً}، عبرة، {لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ}، أي: علامة للخائفين تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم.