{ وَٱلذَّٰرِيَـٰتِ ذَرْواً }، يعني: الرياح التي تذرو التراب ذرواً، يقال: ذَرَت الريحُ الترابَ وأذرت.
{ فَٱلْحَـٰمِلَـٰتِ وِقْراً }، يعني: السحاب تحمل ثقلاً من الماء.
{ فَٱلْجَـٰرِيَـٰتِ يُسْراً }، هي السفن تجري في الماء جرياً سهلاً.
{ فَٱلْمُقَسِّمَـٰتِ أَمْراً }، هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به، أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته.
ثم ذكر المقسَمَ عليه فقال: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ }، من الثواب والعقاب، { لَصَـٰدِقٌ }.
{ وَإِنَّ ٱلدِّينَ }، الحساب والجزاء، { لَوَاقِعٌ }، لكائن. ثم ابتدأ قَسَماً آخر فقال:
{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ }، قال ابن عباس وقتادة وعكرمة: ذات الخلق الحسن المستوي، يقال للنسَّاج إذا نسج الثوب فأجاد: ما أحسن حبكه! قال سعيد بن جبير: ذات الزينة. قال الحسن: حبكت بالنجوم. قال مجاهد: هي المتقنة البنيان. وقال مقاتل والكلبي والضحاك: ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح، وحبك الرمل والشعر الجعد، ولكنها لا ترى لبعدها من الناس، وهي جمع حباك وحبيكة، وجواب القسم قوله:
{ إِنَّكُمْ }، أي: يا أهل مكة، { لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ }، في القرآن وفي محمد صلى الله عليه وسلم، تقولون في القرآن: سحر وكهانة وأساطير الأولين، وفي محمد صلى الله عليه وسلم: ساحر وشاعر ومجنون. وقيل: "لفي قول مختلف" أي: مُصدّق ومُكذّب.
{ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ }، يصرف عن الإِيمان به من صرف حتى يكذبه، يعني: من حرمه الله الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. وقيل "عن" بمعنى: من أجل، أي يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإِيمان من صرف. وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإِيمان فيقولون: إنه ساحر وكاهن ومجنون، فيصرفونه عن الإِيمان، وهذا معنى قول مجاهد.
{ قُتِلَ ٱلْخَرَٰصُونَ }، لُعِن الكذابون، يقال: تخرَّص على فلان الباطل، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عِقَاب مكة، واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإِسلام. وقال مجاهد: هم الكهنة.
{ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَةٍ }، غفلة وعمىً وجهالة { سَـٰهُونَ } لاَهُون غافلون عن أمر الآخرة، والسهو: الغفلة عن الشيء، وهو ذهاب القلب عنه.
{ يَسْـئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ }، يقولون: يا محمد متى يوم الجزاء، يعني: يوم القيامة تكذيباً واستهزاءً.
قال الله عزّ وجلّ: { يَوْمَ هُمْ }، أي يكون هذا الجزاء في يوم هم { عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ }، أي: يعذَّبون ويحرقون بها كما يفتن الذهب بالنار. وقيل: "على" بمعنى الباء أي بالنار، وتقول لهم خزنة النار:
{ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ }، عذابكم، { هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }، في الدنيا تكذيباً به.