التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ
١٧
فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
١٨
كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٩
مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ
٢٠
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ
٢١
وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢٢
-الطور

معالم التنزيل

{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَنَعِيمٍ * فَـٰكِهِينَ } معجبين بذلك ناعمين، { بِمَآءَاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ }، ويقال لهم:

{ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئاً }، مأمون العاقبة من التخمة والسقم، { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.

{ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ }، موضوعة بعضها إلى جنب بعض، { وَزَوَّجْنَـٰهُم بِحُورٍ عِينٍ }.

{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَـٰنٍ }، قرأ أبو عمرو: "وأتبعناهم"، بقطع الألف على التعظيم، "ذرياتِهم"، بالألف وكسر التاء فيهما لقوله: "ألحقنا بهم"وما ألتناهم"، ليكون الكلام على نسق واحد.

وقرأ الآخرون: "واتّبعتهم" بوصل الألف وتشديد التاء بعدها وسكون التاء الأخيرة.

ثم اختلفوا في "ذريتهم": قرأ أهل المدينة الأولى بغير ألف وضم التاء، والثانية بالألف وكسر التاء، وقرأ أهل الشام ويعقوب كلاهما بالألف وكسر التاء في الثانية. وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما ورفع التاء في الأولى ونصبها في الثانية.

واختلفوا في معنى الآية: فقال قوم: معناها والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان يعنى: أولادهم الصغار والكبار، فالكبار بإيمانهم بأنفسهم، والصغار بإيمان آبائهم، فإن الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعاً لأحد الأبوين { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } المؤمنين في الجنة بدرجاتهم وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم تكرمةً لآبائهم لتقرَّ بذلك أعينهم. وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم.

وقال آخرون: معناه والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم البالغون بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإِيمان بإيمان آبائهم. وهو قول الضحاك، ورواية العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أخبر الله عزَّ وجلّ أنه يجمع لعبده المؤمن ذريته في الجنة كما كان يحبُّ في الدنيا أن يجتمعوا إليه، يدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته بعمل أبيه، من غير أن ينقص الآباء من أعمالهم شيئاً، فذلك قوله: { وَمَآ أَلَتْنَـٰهُمْ }، قرأ ابن كثير بكسر اللام، والباقون بفتحها أي ما نقصناهم يعني الآباء، { مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ }.

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله الحديثي، حدثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا جبارة من المغلس حدثنا قيس بن الربيع حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل، لتقرَّ بهم عينه" ، ثم قرأ: { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَـٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }، إلى آخر الآية.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال: "سألت خديجة رضي الله تعالى عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتَا لها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:هما في النار، فلما رأى الكراهة في وجهها، قال: لو رأيتِ مكانَهما لأبغضتِهما، قالت: يا رسول الله فولدي منك؟ قال: في الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار" ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَـٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }.

{ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ }، قال مقاتل: كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن في النار، والمؤمن لا يكون مرتهناً، لقوله عزّ وجلّ: { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ } ثم ذكر ما يزيدهم من الخير والنعمة فقال: { وَأَمْدَدْنَـٰهُم بِفَـٰكِهَةٍ }، زيادة على ما كان لهم { وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ }، من أنواع اللحمان.