التفاسير

< >
عرض

أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ
١٢
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ
١٣
عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ
١٤
-النجم

معالم التنزيل

{ أَفَتُمَـٰرُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ }، قرأ حمزة والكسائي ويعقوب: "أفتَمْرُونه" بفتح التاءوسكون الميم بلا ألف، أي: أفتجحدونه، تقول العرب: مريتَ الرجلَ حقّه إذا جحدته. وقرأ الآخرون: "أفتمارونه" بالألف وضم التاء، على معنى أفتجادلونه على ما يرى، وذلك أنهم جادلوه حين أسري به، فقالوا: صف لنا بيت المقدس، وأخبِرْنا عن عيرنا في الطريق، وغير ذلك مما جادلوه به، والمعنى: أفتجادلونه جدالاً ترومون به دفعه عمّا رآه وعلمه.

{ وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ }، يعني: رأى جبريل في صورته التي خلق عليه نازلاً من السماء نزلة أُخرى، وذلك أنه رآه في صورته مرتين، مرة في الأرض ومرة في السماء.

{ عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ }، وعلى قول ابن عباس معنى: { نَزْلَةً أُخْرَىٰ } هو أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عرجات في تلك الليلة لمسألة التخفيف من أعداد الصلوات، فيكون لكل عرجة نزلة، فرأى ربَّه في بعضها. وروينا عنه: "أنه رأى ربَّه بفؤاده مرتين". وعنه: "أنه رأى بعينه"، قوله: { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ }. روينا عن عبد الله بن مسعود قال: لمّا أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإِليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، قال: { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } قال: فراش من ذهب.

وروينا في حديث المعراج: "ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام فسلمتُ عليه، ثم رُفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة" .

"والسدرة" شجر النبق، وقيل لها: سدرة المنتهى لأنه إليها ينتهي علم الخلق. قال هلال بن يساف: سأل ابنُ عباس كعباً عن سدرة المنتهى وأنا حاضر، فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش وإليها ينتهي علم الخلائق، وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه حدثنا ابن شيبة حدثنا المسوحي، حدثنا عبيد بن يعيش، حدثنا يونس بن بكير، أخبرنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جدته "أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى، قال: يسير الراكب في ظل الفنن منها مائة عام ويستظل في الفنن منها مائة ألف راكب، فيها فراش من ذهب، كأنّ ثمرها القلال" .

وقال مقاتل: هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار من جميع الألوان، لو أن ورقة وضعت منها في الأرض لأضاءت لأهل الأرض، وهي طوبى التي ذكرها الله تعالى في سورة الرعد.