التفاسير

< >
عرض

وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٢٠
أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ
٢١
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ
٢٢
إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ
٢٣
-النجم

معالم التنزيل

{ وَمَنَوٰةَ }، قرأ ابن كثير بالمد والهمزة، وقرأ العامة بالقصر غير مهموز، لأن العرب سَمّتْ زيد مناة وعبد مناة، ولم يسمع فيها المدّ. قال قتادة: هي لخزاعة كانت بقُدَيْد، قالت عائشة رضي الله عنها في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت حذو قديد. قال ابن زيد: بيت كان بالمشلّل يعبده بنو كعب. قال الضحاك: مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة. وقال بعضهم: اللات والعزى ومناة: أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.

واختلف القراء في الوقف على اللات ومناة: فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء. وقال بعضهم: ما كُتب في المصحف بالتاء يوقف عليه بالتاء، وما كُتب بالهاء فيوقف عليه بالهاء.

وأما قوله: { ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ }، فالثالثة نعت لمناة أي: الثالثة للصنمين في الذكر، وأما الأخرى فإن العرب لا تقول الثالثة أخرى، إنما الأخرى هاهنا نعت للثانية. قال الخليل: فالياء لوفاق رؤوس الآي، كقوله: { مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه:18] ولم يقل: أُخر: وقيل: في الآية تقديم وتأخير، تقديرها: أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة.

ومعنى الآية: "أفرأيتم" أخبرونا يا أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله، قال الكلبي: كان المشركون بمكة يقولون: الأصنام والملائكة بنات الله، وكان الرجل منهم إذا بُشّر بالأنثى كره ذلك. فقال الله تعالى منكراً عليهم:

{ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ }، قال ابن عباس وقتادة: أي قسمة جائرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم. قال مجاهد ومقاتل: قسمة عوجاء. وقال الحسن: غير معتدلة.

قرأ ابن كثير: "ضئزى" بالهمز، وقرأ الآخرون بغير همز.

قال الكسائي: يقال منه ضاز يضيز ضيزاً، وضاز يضوز ضوزاً، وضاز يُضاز ضازاً إذا ظلم ونقص، وتقدير ضيزى من لكلام فُعلى بضم الفاء، لأنها صفة والصفات لا تكون إلا على فُعلى بضم الفاء، نحو حُبلى وأُنثى وبُشرى، أو فَعلى بفتح الفاء، نحو غَضبى وسَكرى وعَطشى، وليس في كلام العرب فِعلى بكسر الفاء في النعوت، إنما يكون في الأسماء، مثل: ذكرى وشعرى، وكسرالضاد هاهنا لئلا تنقلب الياء واواً وهي من بنات الياءِ كما قالوا في جمع أبيض بيض، والأصل بوض مثل حمر وصفر، فأما من قال: ضاز يضوز فالاسم منه ضُوزى مثل شُورى.

{ إِنْ هِىَ }، ما هذه الأصنام، { إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ }، حجة بما تقولون إنها آلهة، ثم رجع إلى الخبر بعد المخاطبة فقال: { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ }، في قولهم إنها آلهة، { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ }، وهو ما زيّن لهم الشيطان، { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ }، البيان بالكتاب والرسول أنها ليست بآلهة، فإن العبادة لا تصلح إلا لله الواحد القهار.