{ وَلَقَدْ جَآءَهُم }، يعني: أهل مكة، { مِّنَ ٱلأَنبَآءِ }، من أخبار الأمم المكذبة في القرآن، { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ }، [متناهي]، مصدر بمعنى الازدجار، أي: نهي وعظة، يقال: زجرته وازدجرته إذا نهيته عن السوء، وأصله: مزتجر، قُلبت التاء دالاً.
{ حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ }، يعني: القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية { فَمَا تُغْنِـى ٱلنُّذُرُ }، يجوز أن تكون "ما" نفياً، على معنى: فليست تغني النذر، ويجوز أن يكون استفهاماً، والمعنى: فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم؟ كقوله:
{ { وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [يونس:101]، و"النذر": جمع نذير. { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ }، أعرض عنهم نسختها آية القتال. قيل: هاهنا وقف تام. وقيل: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }، أي: إلى يوم الداعي، قال مقاتل: هو إسرافيل ينفخ قائماً على صخرة بيت المقدس، { إِلَىٰ شَىْءٍ نُّكُرٍ }، منكر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاماً، قرأ ابن كثير: "نُكْر" بسكون الكاف، والآخرون بضمها.
{ خُشَّعاً أَبْصَـٰرُهُمْ }، قرأ أبو عمرو، ويعقوب، وحمزة، والكسائي: "خاشعاً" على الواحد، وقرأ الآخرون: "خشّعاً" - بضم الخاء وتشديد الشين - على الجمع. ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والجمع والتذكير والتأنيث، تقول: مررتُ برجال حسنٍ أوجههم وحسنة أوجههم، وحسان أوجههم، قال الشاعر:
ورجالٍ حسَنٍ أوجُهُهُممن إيادِ بنِ نزارِ بنِ مَعَد
وفي قراءة عبد الله: "خاشعة أبصارهم"، أي: ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب. { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ }، من القبور، { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ }، مُنْبَثّ حيارى، وذكَّر المنتشر على لفظ الجراد، نظيرها:
{ { كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [القارعة:4]، وأراد أنهم يخرجون فزعين لا جهة لأحد منهم يقصدها، كالجراد لا جهة لها، تكون مختلطة بعضها في بعض.