التفاسير

< >
عرض

فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٠
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ
٣١
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٢
يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ
٣٣
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٤
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ
٣٥
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٦
-الرحمن

معالم التنزيل

{ فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * سَنَفْرُغُ لَكُمْ }، قرأ حمزة والكسائي: سيفرغ بالياء لقوله: { يَسْأَلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }، { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ }، { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ }، فأتبع الخبر.

وقرأ الآخرون بالنون، وليس المراد منه الفراغ عن شغل، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، ولكنه وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة، كقول القائل لأتفرغنّ لك، وما به شغل، وهذا قول ابن عباس والضحاك، وإنما حسن هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن.

وقال آخرون: معناه سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم، كقول القائل للذي لا شغل له قد فرغتَ لي.

وقال بعضهم: إن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور، ثم قال سنفرغ لكم مما وعدناكم، وأخبرناكم، فنحاسبكم ونجازيكم وننجز لكم ما وعدناكم، فنتمَّ ذلك ويفرغ منه، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل.

{ أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ }، أي الجن والإنس، سميا ثقلين لأنهما ثقلا على الأرض أحياء وأمواتاً، قال الله تعالى: { { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [الزلزلة:2]، وقال أهل المعاني: كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي" . فجعلهما ثقلين إعظاماً لقدرهما.

وقال جعفر بن محمد الصادق: سمي الجن والإِنس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب { فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }.

{ يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ }، أي تجوزوا وتخرجوا، { مِنْ أَقْطَـٰرِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }، أي من جوانبهما وأطرافهما، { فَٱنفُذُواْ }، معناه إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض: فاهربوا واخرجوا منها، والمعنى: حيثما كنتم أدرككم الموت، كما قال جلّ ذكره: { { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } [النساء:78]. وقيل: يقال لهم هذا يوم القيامة إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض فتُعْجِزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا، { فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ }، أي: بملك، وقيل: بحجة، والسلطان: القوة التي يتسلط بها على الأمر، فالملك والقدرة والحجة كلها سلطان، يريد حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني. وروي عن ابن عباس قال: معناه: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله عزّ وجلّ. وقيل قوله: "إلا بسلطان" أي إلى سلطان كقوله: { وَقَدْ أَحْسَنَ بَىۤ } [يوسف:100] أي إليّ.

{ فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }، وفي الخبر: يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ }، الآية. فذلك قوله عزّ وجلّ:

{ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ }، قرأ ابن كثير: شِواظ بكسر الشين والآخرون بضمها، وهما لغتان، مثل صِوار من البقر وصُوار. وهو اللهب الذي لا دخان فيه هذا قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد: هو اللهب الأخضر المنقطع من النار، { وَنُحَاسٌ }، قرأ ابن كثير وأبو عمر "ونحاسٍ" بجر السين عطفاً على النار، وقرأ الباقون برفعها عطفاً على الشواظ.

قال سعيد بن جبير والكلبي: "النحاس": الدخان، وهو رواية عطاء عن ابن عباس.

ومعنى الرفع يرسل عليكما شواظ، ويرسل نحاس، أي يرسل هذا مرة وهذا مرة، ويجوز أن يرسلا معاً من غير أن يمتزج أحدهما بالآخر، ومن كسر بالعطف على النار يكون ضعيفاً لأنه يكون شواظ من نحاس، فيجوز أن يكون تقديره: شواظ من نار وشيء من نحاس، على أنه حكي أن الشواظ لا يكون إلا من النار والدخان جميعاً.

قال مجاهد وقتادة: النحاس هو الصُّفْر المذاب يصب على رؤوسهم، وهو رواية العوفي عن ابن عباس. وقال عبد الله بن مسعود: النحاس هو المهل.

{ فَلاَ تَنتَصِرَانِ }، أي فلا تمتنعان من الله ولا يكون لكم ناصر منه. { فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }.