التفاسير

< >
عرض

يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ
٤١
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٢
هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ
٤٣
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ
٤٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٥
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ
٤٦
-الرحمن

معالم التنزيل

{ يُعْرَف ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ }، وهو سواد الوجوه وزرقة العيون، كما قال جل ذكره: { { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران:106]، { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِى وَٱلأَقْدَامِ }. تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي من خلف ويُلقون في النار, { فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }.

ثم يقال لهم: { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ }، المشركون. { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ }، قد انتهى حرُّه، قال الزجَّاج: أنى يأنى فهو آن إذا انتهى في النضج، والمعنى: أنهم يسعون بين الجحيم والحميم فإذا استغاثوا من حرّ النار جعل عذابهم الحميم الآني الذي صار كالمهل، وهو قوله: { { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ } [الكهف:29] وقال كعب الأحبار: "آن" وادٍ من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون في ذلك الوادي حتى تنخلع أوصالهم، ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى لهم خلقاً جديداً فيلقون في النار، وذلك قوله: { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ }.

{ فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }، وكل ماذكر الله تعالى من قوله: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } إلى هاهنا مواعظ وزواجر وتخويف. وكل ذلك نعمة من الله تعالى، لأنها تزجر عن المعاصي، ولذلك ختم كل آية بقوله { فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }، ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه. فقال:

{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ }، أي: مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة. وقيل: قيام ربه عليه، بيانه قوله: { { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [الرعد:33] وقال إبراهيم ومجاهد: هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله. وقوله: { جَنَّتَانِ } قال مقاتل: جنة عدن وجنة نعيم. قال محمد بن علي الترمذي: جنة لخوفه ربه وجنة لتركه شهوته.

قال الضحاك: هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعلمه ما عرض له من محرم تركه من خشية الله وما عمل من خير أفضى به إلى الله، لا يحب أن يطلع عليه أحد.

وقال قتادة: إن المؤمنين خافوا ذلك المقام فعملوا لله ودأبوا بالليل والنهار.

أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي، أخبرنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يونس، أخبرنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني، وأخبرنا محمد بن عبيد الهمداني، أخبرنا هاشم بن القاسم عن أبي عقيل هو الثقفي عن يزيد بن سنان سمعت بكير بن فيروز قال سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة" .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى حويطب بن عبد العزّى. عن عطاء بن يسار، "عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }، قلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }، فقلت الثانية: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }، فقلت الثالثة: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء" .