التفاسير

< >
عرض

تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
-الواقعة

معالم التنزيل

{ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }، أي القرآن منزل من عند رب العالمين. سُمِّي المنَّزل: تنزيلاً, على اتساع اللغة، كما يقال للمقدور: قَدْر, وللمخلوق خَلْق.

{ أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ }، يعني القرآن { أَنتُم }، يا أهل مكة، { مُّدهِنُونَ }، قال ابن عباس: مكذبون. وقال مقاتل بن حيان: كافرون, نظيره: { { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُون } [القلم: 9]، والمدهن والمداهن الكذاب والمنافق، وهو من الإدهان, وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر، هذا أصله, ثم قيل للمكذب: مدهن, وإن صرح بالتكذيب والكفر.

{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ }، حظكم ونصيبكم من القرآن، { أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }، قال الحسن في هذه الآية: خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به.

وقال جماعة من المفسرين: معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون.

وقال الهيثم بن عدي: إن من لغة أزد شنوءة: ما رَزَق فلان, بمعنى ما شكر, وهذا في الاستسقاء بالأنواء, وذلك أنهم كانوا يقولون إذا مطروا: مُطِرنا بَنْوء كذا، ولا يرون ذلك من فضل الله تعالى، فقيل لهم: أتجعلون رزقكم, أي شكركم بما رزقتم, يعني شكر رزقكم التكذيبَ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي, أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي, أخبرنا أبو مصعب عن مالك, عن صالح بن كيسان, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود, "عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، وكافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا, فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب" .

ورواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله صلى عليه وسلم وزاد: فنزلت هذه الآية { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } إلى قوله: { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [الواقعة: 82].

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر, أخبرنا عبد الغافر بن محمد, أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي, أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان, حدثنا مسلم بن الحجاج, حدثني محمد بن سلمة المرادي, حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث, أخبرنا أبو يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: "ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين، ينزل الله تعالى الغيث فيقولون: مطرنا بكوكب كذا وكذا" .