التفاسير

< >
عرض

قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
١
ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٢
-المجادلة

معالم التنزيل

{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا }, الآية. نزلت في خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت, وكانت حسنة الجسم, وكان به لمم فأرادها فأبت, فقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، ثم ندم على ما قال. وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية، فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمت عليّ. فقالت: والله ما ذاك طلاق, وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه - فقالت: يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني، وقد ندم، فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمتِ عليه، فقالت: يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي فقد طالت صحبتي ونفضت له بطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أراك إلا قد حرمت عليه، ولم أومر في شأنك بشيء، فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمتِ عليه هتفت وقالت: أشكوا إلى الله فاقتي وشدة حالي وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهم إني أشكو إليك، اللهم فأنزِل على لسان نبيك، وكان هذا أول ظهار في الإسلام، فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر، فقالت: انظر في أمري جعلني الله فداءك يا نبي الله، فقالت عائشة: اقصري حديثك ومجادلتك أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه أخذه مثل السبات -، فلما قضى الوحي قال لها: ادعي زوجك فدعته، فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ }، الآيات.

قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها, إن المرأة لتحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها، ويخفى عليّ بعضه إذ أنزل الله: { قَدْ سَمِعَ ٱللهُ } الآيات.

ومعنى قوله { قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَادِلُكَ } تخاصمك وتحاورك وتراجعك في زوجها، { وَتَشْتَكِىۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما }، مراجعتكما الكلام، { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }، سميع لما تناجيه وتتضرع إليه, بصير بمن يشكوا إليه، ثم ذم الظهار فقال:

{ ٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ }، قرأ عاصم: "يظاهرون" فيها بضم الياء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء، وقرأ ابن عامر, وأبو جعفر وحمزة, والكسائي: بفتح الياء والهاء، وتشديد الظاء ألف بعدها، وقرأ الآخرون بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء من غير ألف.

{ مَّا هُنَّ أمَّهَـٰتِهِمْ }، أي ما اللواتي يجعلونهن من زوجاتهم كالأمهات بأمهات. وخفض التاء في "أمهاتهم" على خبر "ما" ومحله نصب كقوله: { مَا هَـٰذَا بَشَرًا } [يوسف: 31] المعنى: ليس هنّ بأمهاتهم، { إِنْ أُمَّهَـٰتِهِمْ } أي ما أمهاتهم، { إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلقَولِ }، لا يعرف في شرع { وَزُوراً }، كذباً، { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }، عفا عنهم وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم.

وصورة الظهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، أو أنت مني أو معي أو عندي كظهر أمي، وكذلك لو قال: أنت عليّ كبطن أمي أو كرأس أمي أو كيد أمي أو قال بطنك أو رأسك أو يدك علي كظهر أمي, أو شبه عضواً منها بعضو آخر من أعضاء أمه فيكون ظهاراً.

وعند أبي حنيفة - رضي الله عنه - إن شبهها ببطن الأم أو فرجها أو فخذها يكون ظهاراً, وإن شبهها بعضو آخر لا يكون ظهاراً.

ولو قال أنت عليّ كأمي أو كروح أمي, وأراد به الإعزاز والكرامة فلا يكون ظهاراً حتى يريده، ولو شبهها بجدته فقال: أنت عليّ كظهر جدتي يكون ظهاراً, وكذلك لو شبهها بامرأة محرَّمة عليه بالقرابة بأن قال: أنت عليّ كظهر أختي أو عمتي أو خالتي, أو شبهها بامرأة محرمة عليه بالرضاع يكون ظهاراً - على الأصح من الأقاويل -.