التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٠
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١١
-الحشر

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ }، يعني التابعين وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة، ثم ذكر أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان والمغفرة، فقال: { يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غلاًّ }, غشاً وحسداً وبغضاً، { لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم }، فكل من كان في قلبه غِلٌّ على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية، لأن الله تعالى رتّب المؤمنين على ثلاثة منازل: المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله، فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجاً من أقسام المؤمنين.

قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: الفقراء المهاجرين، والذين تبوؤا الدار والإيمان، والذين جاؤوا من بعدهم، فاجتهد أن لا تكون خارجاً من هذه المنازل.

أخبرنا أبو سعيد الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرنا عبد الله بن حامد, أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا ابن نمير, حدثنا أبي عن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الملك بن عمير عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: أُمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسببتموهم سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها" .

وقال مالك بن مغول: قال عامر بن شراحيل الشعبي: يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة, سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ فقالت: أصحاب موسى عليه السلام. وسئلت النصارى: من خير من أهل ملتكم؟ فقالوا: حواريّ عيسى عليه السلام. وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمروا بالاستغفار لهم فسبُّوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة, لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة, كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وإدحاض حجتهم، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة.

قال مالك بن أنس: من يبغض أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا: { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ }، حتى أتى على هذه الآية: { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَـٰجِرِينَ... وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ... وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ } إلى قوله: { رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }.

قوله عزّ وجلّ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَـٰفَقُواْ }، أي أظهروا خلاف ما أضمروا: يعني: عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ }، وهم اليهود من بني قريظة والنضير, جعل المنافقين إخوانهم في الدين، لأنهم كفار مثلهم. { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ }، من المدينة، { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً }، يسألنا خذلانكم وخلافكم، { أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إنهم } يعني المنافقين { لَكَٰذِبُونَ }.