{ وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [قيل: أي] كما خذلنا عصاة الجنّ والإنس حتى استمتع بعضهم ببعض نولي بعض الظالمين بعضاً، أي: نسلّط بعض الظالمين على بعض، فنأخذ من الظالم بالظالم، كما جاء:
"مَنْ أعان ظالماً سلّطه اللَّهُ عليه" .
وقال قتادة: نجعل بعضهم أولياء بعض، فالمؤمن وليّ المؤمن [أين كان]، والكافر وليّ الكافر حيث كان. ورُوي معمر عن قتادة: يتبع بعضهم بعضاً في النار، من الموالاة. وقيل: معناه نولي ظلمة الإنس ظلمة الجن، ونولي ظلمة الجن ظلمة الإنس، أي: نكل بعضهم إلى بعض؛ كقوله تعالى:
{ { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } [النساء: 115]، وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها هو: أنّ الله تعالى إذا أراد بقوم خيراً ولّى أمرهم خيارهم، وإذا أراد بقوم شراً ولّى أمرهم شرارهم.
قوله عزّ وجلّ: { يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ }، واختلفوا في الجن هلْ أُرسل إليهم منهم [رسول]؟ فسُئل الضحاك عنه، فقال: بلى ألم تسمع الله يقول { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ }، يعني: بذلك رسلاً من الإنس ورسلاً من الجن. قال الكلبي: كانت الرسل قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الإنس والجنّ جميعاً.
قال مجاهد: الرسل من الإنس والنُّذُر من الجن، ثم قرأ:
{ { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [الأحقاف: 29]، وهم قوم يسمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا، وليس للجن رسل، فعلى هذا قوله: "رسل منكم" ينصرف إلى أحد الصنفين وهم الإنس، كما قال: { { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن: 22]، وإنّما يخرج من الملح دون العذب، وقال: { { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [نوح: 16]، وإنّما هو في سماء واحدة.
{ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ }، أي: يقرؤون عليكم، { آيَـٰتِي }، كتبي { وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا }، وهو يوم القيامة، { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا }، أنهم قد بلّغوا، قال مقاتل: وذلك حين شهدتْ عليهم جوارحهم بالشرك والكفر. قال الله عزّ وجلّ: { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا }، حتى لم يؤمنوا، { وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ }.