قوله عزّ وجلّ: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ }، لا يسمعون الخير ولا يتكلمون به، { فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ }، في ضلالات الكفر، { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }، وهو الإسلام.
قوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ }، هلْ رأيتم؟ والكاف فيه للتأكيد، قال الفَرَّاء: العرب تقول أرأيتَك، وهم يريدون أخبرنا، كما يقول: أرأيتَك إن فعلت كذا ماذا تفعل؟ أي: أخبرني، وقرأ أهل المدينة "أرايتكم، وأرايتم، وأرايت"، بتليين الهمزة الثانية، والكسائي بحذفها، قال ابن عباس: قل يا محمد لهؤلاء المشركين أرأيتكم، { إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ }، قبل الموت، { أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ }، يعني: القيامة، { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ }، في صرف العذاب عنكم، { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }، وأراد أن الكفار يدعون الله في أحوال الاضطرار كما أخبر عنهم:
{ { وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [لقمان: 32].
ثم قال: { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ }، أي: تدعون الله ولا تدعون غيره، { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ }، قيّد الإجابة بالمشيئة [والأمور كلها بمشيئته]، { وَتَنسَوْنَ }، وتتركون، { مَا تُشْرِكُونَ }.
{ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ }، بالشدّة والجوع، { وَٱلضَّرَّآءِ }، المرض والزمانة، { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }، أي: يتوبون ويخضعون، والتضرّعُ السؤال بالتذلّل.
{ فَلَوْلاۤ }، فهلاّ، { إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا }، عذابُنَا، { تَضَرَّعُواْ }، فآمنوا فيكشف عنهم، أخبر الله عزّ وجلّ أنه قد أرسل إلى قوم بلغوا من القسوة إلى أنهم أُخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرّعوا، فذلك قوله: { وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ }، من الكفر والمعاصي.