التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٥
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٦
عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٧
لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٨
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٩
-الممتحنة

معالم التنزيل

{ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ }، قال الزجاج: لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتنوا وقال مجاهد: لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم ذلك { وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيم }.

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ }، أي في إبراهيم ومن معه { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ }، هذا بدل من قوله "لكم" وبيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة، { وَمَن يَتَوَلّ }، يُعْرِض عن الإيمان ويوالِ الكفار، { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلغَنِيُّ }، عن خلقه، { ٱلحَمِيدُ }، إلى أوليائه، وأهل طاعته.

قال مقاتل: فلما أمر الله المؤمنين بعداوة الكفار عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين, وأظهروا لهم العداوة والبراءة. ويعلم الله شدة وجد المؤمنين بذلك فأنزل الله:

{ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم }، أي من كفار مكة، { مَوَدَّةً }، ففعل الله ذلك بأن أسلم كثير منهم، فصاروا لهم أولياء وإخواناً، وخالطوهم وناكحوهم، { وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رحيم }، ثم رخص الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم فقال:

{ لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ }، أي لا ينهاكم الله عن بر الذين لم يقاتلوكم، { وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ }، تعدلوا فيهم بالإحسان والبر، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُقْسِطِين }، قال ابن عباس: نزلت في خزاعة كانوا قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحداً، فرخص الله في برهم.

وقال عبد الله بن الزبير: نزلت في أسماء بنت أبي بكر, وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العزى قدمت عليها المدينة بهدايا، ضِباباً وأقطاً وسمناً، وهي مشركة، فقالت أسماء: لا أقبل منك هدية ولا تدخلي عليَّ بيتي حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخلها منزلها وتقبل هديتها وتكرمها وتحسن إليها.

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا قتيبة, حدثنا حاتم عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدَّتهم مع أبيها فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: صليها" .

وروي عن ابن عيينة قال: فأنزل الله فيها { لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ }.

ثم ذكر الذين نهاهم عن صلتهم فقال:

{ إِنَّمَا يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَـٰتَلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَـٰرِكُمْ وَظَـٰهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَٰجِكُمْ }، وهم مشركو مكة، { أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُون }.