التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
٦
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٧
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٨
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ
٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
١٠
تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
١١
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ
١٤
-الصف

معالم التنزيل

{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِى إِسْرَٰءِيلَ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَدُ }، والألف فيه للمبالغة في الحمد، وله وجهان: أحدهما: أنه مبالغة من الفاعل، أي الأنبياء كلهم حمادون لله عز وجل، وهو أكثر حمداً لله من غيره, والثاني: أنه مبالغة في المفعول, أي الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة وهو أكثرهم مبالغة وأجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد بها.

{ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }.

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلَـٰمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفْوَاهِهم وٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ ٱلكَافِرُون }.

{ هُوَ ٱلَّذِىۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ ٱلمُشْرِكُون }.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم }، قرأ ابن عامر "تُنجِّيكم" بالتشديد, والآخرون بالتخفيف، { مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }، نزل هذا حين قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عزّ وجلّ لعملناه، وجعل ذلك بمنزلة التجارة لأنهم يربحون فيها رضا الله ونيل جنته والنجاة من النار. ثم بين تلك التجارة فقال:

{ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ وَمَسَـٰكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلفَوْزُ ٱلعَظِيمُ }.

{ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا }، أي: ولكم خصلة أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة تحبونها, وتلك الخصلة: { نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ }، قال الكلبي: هو النصر على قريش، وفتح مكة. وقال عطاء: يريد فتح فارس والروم. { وَبَشِّرِ ٱلمُؤمِنين }، يا محمد بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة، ثم حضَّهم على نصرة الدين وجهاد المخالفين. فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَـٰرَ ٱللَّهِ }، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو: "أنصاراً" بالتنوين "لله" بلام الإضافة، وقرأ الآخرون "أنصار الله" مضافاً لقوله: { نَحْنُ أَنصَـٰرُ ٱللَّهِ }.

{ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّين }، أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى عليه السلام: { مَنْ أَنَّصَـٰرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ }، أي: من ينصرني مع الله؟ { قَالَ ٱلْحَوَٰرِيُّونَ نَحْنُ أَنصَـٰرُ ٱللَّهِ فَـآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَٰءِيلَ وَكَفَرَت طَآئِفَةٌ }، قال ابن عباس: يعني في زمن عيسى عليه السلام, وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق: فرقة قالوا: كان الله فارتفع، وفرقة قالوا: كان ابن الله فرفعه الله إليه، وفرقة قالوا: كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون، واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس، فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين، حتى بعث الله محمداً فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة، فذلك قوله تعالى: { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِين }، غالبين عالين. وروى مغيرة عن إبراهيم قال: فأصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم أن عيسى كلمة الله وروحه.