التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١٢
وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٣
أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٤
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ
١٥
ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ
١٦
أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
١٧
وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ
١٨
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ
١٩
أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ
٢٠
أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ
٢١
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٢٢
-الملك

معالم التنزيل

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجرٌ كَبيرٌ * وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }، قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا، فقال بعضهم لبعض: أسرُّوا قولكم كي لا يسمع إله محمد.

فقال الله جلّ ذكره: { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ }، ألا يعلم ما في الصدور من خلقها، { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ الخَبِيرُ }، لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من الخير والشر والوسوسة. وقيل: "مَنْ" يرجع إلى المخلوق، أي ألا يعلم الله مخلوقه؟

{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً }، سهلاً لا يمتنع المشي فيها بالحزونة، { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا }، قال ابن عباس وقتادة: في جبالها. وقال الضحاك: في آكامها. وقال مجاهد: في طرقها وفجاجها. قال الحسن: في سبلها. وقال الكلبي: في أطرافها. وقال مقاتل: في نواحيها. قال الفراء: في جوانبها. والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء وتَنكَّب فلان أي جانب. { وَكُلُواْ مِن رزقِهِ }، مما خلقه رزقاً لكم في الأرض، { وَإِلَيْهِ النُشُور }، أي: وإليه تبعثون من قبوركم. ثم خوَّف الكفار فقال:

{ ءَأَمِنتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ }، قال ابن عباس: أي: عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه، { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأََرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ }، قال الحسن: تتحرك بأهلها. وقيل: تهوي بهم. والمعنى: أن الله تعالى يحرِّك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيَهم إلى أسفل, تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مَارَ يَمُورُ, أي: جاء وذهب.

{ أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً }، ريحاً ذات حجارة كما فعل بقوم لوط. { فَسَتَعْلَمُونَ }، في الآخرة وعند الموت، { كَيْفَ نَذِير }، أي إنذاري إذا عاينتم العذاب.

{ وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }، يعني كفار الأمم الماضية، { فَكَيْفَ كَانَ نَكِير }، أي إنكاري عليهم بالعذاب.

{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ }، تصف أجنحتها في الهواء، { وَيَقْبِضْنَ }، أجنحتها بعد البسط، { مَا يُمْسِكُهُنَّ }، في حال القبض والبسط أن يسقطن، { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ }.

{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ }، استفهام إنكار. قال ابن عباس: أي منعة لكم، { يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ }، يمنعكم من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم. { إِنِ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ }، أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم.

{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ }، أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم، { بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوٍ }، تمادٍ في الضلال، { ونُفُورٍ }، تباعد من الحق. وقال مجاهد: كفور. ثم ضرب مثلاً فقال:

{ أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ }، راكباً رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يميناً ولا شمالاً وهو الكافر. قال قتادة: أكبَّ على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة، { أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِى سَوِيّا }، معتدلاً يبصر الطريق وهو، { عَلَى صِرَٰطٍ مُسْتَقِمٍ }، وهو المؤمن. قال قتادة: يمشي يوم القيامة سويّاً.