{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجرٌ كَبيرٌ * وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }، قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا، فقال بعضهم لبعض: أسرُّوا قولكم كي لا يسمع إله محمد.
فقال الله جلّ ذكره: { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ }، ألا يعلم ما في الصدور من خلقها، { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ الخَبِيرُ }، لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من الخير والشر والوسوسة. وقيل: "مَنْ" يرجع إلى المخلوق، أي ألا يعلم الله مخلوقه؟
{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً }، سهلاً لا يمتنع المشي فيها بالحزونة، { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا }، قال ابن عباس وقتادة: في جبالها. وقال الضحاك: في آكامها. وقال مجاهد: في طرقها وفجاجها. قال الحسن: في سبلها. وقال الكلبي: في أطرافها. وقال مقاتل: في نواحيها. قال الفراء: في جوانبها. والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء وتَنكَّب فلان أي جانب. { وَكُلُواْ مِن رزقِهِ }، مما خلقه رزقاً لكم في الأرض، { وَإِلَيْهِ النُشُور }، أي: وإليه تبعثون من قبوركم. ثم خوَّف الكفار فقال:
{ ءَأَمِنتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ }، قال ابن عباس: أي: عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه، { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأََرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ }، قال الحسن: تتحرك بأهلها. وقيل: تهوي بهم. والمعنى: أن الله تعالى يحرِّك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيَهم إلى أسفل, تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مَارَ يَمُورُ, أي: جاء وذهب.
{ أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً }، ريحاً ذات حجارة كما فعل بقوم لوط. { فَسَتَعْلَمُونَ }، في الآخرة وعند الموت، { كَيْفَ نَذِير }، أي إنذاري إذا عاينتم العذاب.
{ وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }، يعني كفار الأمم الماضية، { فَكَيْفَ كَانَ نَكِير }، أي إنكاري عليهم بالعذاب.
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ }، تصف أجنحتها في الهواء، { وَيَقْبِضْنَ }، أجنحتها بعد البسط، { مَا يُمْسِكُهُنَّ }، في حال القبض والبسط أن يسقطن، { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ }.
{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ }، استفهام إنكار. قال ابن عباس: أي منعة لكم، { يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ }، يمنعكم من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم. { إِنِ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ }، أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم.
{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ }، أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم، { بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوٍ }، تمادٍ في الضلال، { ونُفُورٍ }، تباعد من الحق. وقال مجاهد: كفور. ثم ضرب مثلاً فقال:
{ أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ }، راكباً رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يميناً ولا شمالاً وهو الكافر. قال قتادة: أكبَّ على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة، { أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِى سَوِيّا }، معتدلاً يبصر الطريق وهو، { عَلَى صِرَٰطٍ مُسْتَقِمٍ }، وهو المؤمن. قال قتادة: يمشي يوم القيامة سويّاً.