التفاسير

< >
عرض

لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً
٢٠
قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً
٢١
وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً
٢٢
وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً
٢٣
-نوح

معالم التنزيل

{ لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً }، طرقاً واسعة.

{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى }، لم يجيبوا دعوتي، { وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً }، يعني: اتبع السفلةُ والفقراءُ القادةَ والرؤساءَ الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة.

{ وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً }، أي كبيراً عظيماً، يقال: كبير وكُبَار، بالتخفيف، كُبَّار بالتشديد، كلها بمعنى واحد, كما يقال: أمر عجيب وعجَاب وعجَّاب بالتشديد أشد في المبالغة.

واختلفوا في مكرهم. قال ابن عباس: قالوا قولاً عظيماً. وقال الضحاك: افتروا على الله وكذبوا رسله وقيل: منع الرؤساءُ أتباعَهم عن الإيمان بنوح وحرضوهم على قتله.

{ وقالوا }، لهم: { لاَ تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُم }، أي لا تتركوا عبادتها، { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً }، قرأ أهل المدينة بضم الواو والباقون بفتحها، { وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ ونَسْراً }، هذه أسماء آلهتهم.

قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة، ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك.

وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم من المسلمين.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا إبراهيم بن موسى, حدثنا هشام عن ابن جريج وقال عطاء عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح تعبد في العرب بعده، أمّا وَدّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواع فكانت لهذيل، وأما يَغُوث فكانت لمراد ثم لبني غُطيف بالجرف عند سبأ، وأما يَعُوق فكانت لهمدان، وأمّا نَسْر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع ذكره في تفسيره.

وروى سفيان عن موسى عن محمد بن قيس قوله تعالى: { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ ونَسْراً } قال: كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عُبِدَتْ.

وروي عن ابن عباس: أن تلك الأوثان دفنها الطوفان وطمها التراب، فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب، وكانت للعرب أصنام أخر، فاللات كانت لثقيف، والعُزى لسليم وغطفان وجشم، ومَنَاة لقُديد، وإساف ونائلة وهُبل لأهل مكة.