التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ
٢٧
لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ
٢٨
لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ
٢٩
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ
٣٠
وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ
٣١
كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ
٣٢
وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ
٣٣
وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ
٣٤
-المدثر

معالم التنزيل

{ ومَا أدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِى ولاَ تَذَر }، أي لا تبقي ولا تذر فيها شيئاً إلا أكلته وأهلكته. وقال مجاهد: لا تميت ولا تحيي يعني لا تبقي من فيها حيّاً ولا تذر من فيها ميتاً كلما احترقوا جُدّدوا. وقال السدي: لا تبقي لهم لحماً ولا تذر لهم عظماً. وقال الضحاك: إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئاً وإذا أعيدوا لم تذرهم حتى تفنيهم، ولكل شيء ملالة وفترة إلا لجهنم.

{ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ }، مغيرة للجلد حتى تجعله أسود، يقال: لاحة السقم والحزن إذ غيّره، وقال مجاهد: تلفح الجلد حتى تدعه أشد سواداً من الليل. وقال ابن عباس: وزيد بن أسلم: محرقة للجلد. وقال الحسن وابن كيسان: تلوح لهم جهنم حتى يروها عياناً نظيره قوله: { { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } [الشعراء: 91]، و{ لَوَّاحةٌ } رفع على نعت، "سقر" في قوله: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ }، و{ البَشَر } جمع بشرة وجمع البشر أبشار.

{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }، أي: على النار تسعة عشر من الملائكة، وهم خزنتها: مالك ومعه ثمانية عشر. وجاء في الأثر: أعينهم كالبرق الخاطف, وأنيابهم كالصياصي, يخرج لهب النار من أفواههم, ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، نُزعت منهم الرحمة, يرفع أحدهم سبعين ألف فيرميهم حيث أراد من جهنم.

قال عَمرو بن دينار: إن واحداً منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر.

قال ابن عباس, وقتادة, والضحاك: لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم, أسمع ابن أبي كبشة يخبر أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدَّهم أي: الشجعان, أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد من خزنة جهنم؟ قال أبو الأشد أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي: أنا أكفيكم منهم سبعة عشر، عشرة على ظهري وسبعة على بطني، فاكفوني أنتم اثنين.

وروي أنه قال: أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة. فأنزل الله عزّ وجلّ:

{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَـٰبَ النَّارِ إلاَّ مَلَـٰئِكَة }، لا رجالاً آدميين, فمن ذا يغلب الملائكة؟ { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُم }، أي عددهم في القلة، { إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا }، أي ضلالة لهم حتى قالوا ما قالوا، { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ }، لأنه مكتوب في التوراة والإنجيل إنهم تسعة عشر، { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَـٰنا }، يعني من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقاً بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا وجدوا ما قاله موافقاً لما في كتبهم، { وَلاَ يَرْتَابَ }،ولا يشك، { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ وٱلمُؤمِنُونَ }، في عددهم، { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَرَضٌ }، شك ونفاق، { وٱلكَٰفِرُونَ }، مشركو مكة, { مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلا }، أي شيء أراد بهذا الحديث؟ وأراد بالمثل الحديث نفسه. { كذلكَ }، أي كما أضل الله من أنكر عدد الخزنة وهدى من صدق كذلك، { يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ }، قال مقاتل: هذا جواب أبي جهل حين قال: أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر؟ قال عطاء: وما يعلم جنود ربك إلا هو يعني من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار، لا يعلم عدتهم إلا الله، والمعنى إن تسعة عشرهم خزنة النار، ولهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمهم إلا الله عزّ وجلّ، ثم رجع إلى ذكر سقر فقال: { وَمَا هِيَ }، يعني سقر، { إِلاَّ ذِكْرَىٰ للبَشَرِ }، إلا تذكرة وموعظة للناس.

{ كَلاَّ وٱلقَمَرِ }، هذا قسم, يقول: حقاً.

{ وَٱلْقَمَرِ * وَٱلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ }، قرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب "إذ" بغير ألف، "أدْبَرَ"، بالألف، وقرأ الآخرون "إذا" بالألف، "دبر" بلا ألف، لأنه أشد موافقة لما يليه، وهو قوله: { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ }، ولأنه ليس في القرآن قسم بجانبه إذ وإنما بجانب الأقسام إذا, ودبر وأدبر وكلاهما لغة، يقال: دبر الليل وأدبر إذا ولى ذاهباً. قال أبو عمرو: دبر لغة قريش، وقال قطرب: دبر أي أقبل، تقول العرب: دبرني فلان أي جاء خلفي، فالليل يأتي خلف النهار.

{ وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ }، أضاء وتبين.