{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جزآءً ولا شُكُوراً }، والشُّكور مصدر كالعُقود والدُّخول والخروج. قال مجاهد وسعيد بن جبير: إنهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم، فأثنى عليهم.
{ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً }، تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته، ونسب العبوس إلى اليوم، كما يقال: يوم صائم وليل قائم. وقيل: وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة، { قَمْطَرِيراً }، قال قتادة, ومجاهد, ومقاتل: "القمطرير": الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس. قال الكلبي: العبوس الذي لا انبساط فيه، و "القمطرير": الشديد، قال الأخفش: "القمطرير": أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء، يقال: يوم قمطرير وقماطر, إذا كان شديداً كريهاً، واقْمَطَرَّ اليوم فهو مُقْمَطِر.
{ فَوَقَـٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ }, الذي يخافون، { وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً }، حُسْناً في وجوههم، { وَسُرُوراً }، في قلوبهم.
{ وَجَزَٰهُمْ بِمَا صَبَرُواْ }، على طاعة الله واجتباب معصيته، وقال الضحاك: على الفقر. وقال عطاء: على الجوع. { جَنَّةً وَحَرِيراً }، قال الحسن: أدخلهم الله الجنة وألبسهم الحرير.
{ مُّتَّكِئِينَ }، نصب على الحال، { فِيهَا } في الجنة، { عَلَىٰ ٱلأَرَآئِكِ }، السرُر في الحِجال، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعا، { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً }، أي صيفاً ولا شتاءً. قال مقاتل: يعني شمساً يؤذيهم حرها ولا زمهريراً يؤذيهم برده، لأنهما يؤذيان في الدنيا. والزمهرير: البرد الشديد.
{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـٰلُهَا }, أي قريبة منهم ظلال أشجارها، ونصب "دانيةً"، بالعطف على قوله: "متكئين"، وقيل: على موضع قوله: { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً }، ويرون { دانيةً }، وقيل: على المدح، { وَذُلِّلَتْ }، سُخّرت وقُربت، { قُطُوفُهَا }، ثمارها، { تَذْلِيلاً }، يأكلون من ثمارها قياماً وقعوداً ومضطجعين ويتناولونها كيف شاؤوا على أي حال كانوا.
{ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ }, قال المفسرون: أراد بياض الفضة في صفاء القوارير، فهي من فضة في صفاء الزجاج، يرى ما في داخلها من خارجها.
قال الكلبي: إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم، وإن أرض الجنة من فضة، فجعل منها قوارير يشربون فيها، { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً }، قدروا الكأس على قدر ريِّهم لا يزيد ولا ينقص، أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون.
{ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً }، يشوّق ويطرب، والزنجبيل: مما كانت العرب تستطيبه جداً، فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة. قال مقاتل: لا يشبه زنجبيل الدنيا. قال ابن عباس: كل ما ذكر الله في القرآن مما في الجنة وسماهُ ليس له في الدنيا مثل. وقيل: هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل. قال قتادة: يشربها المقربون صرفاً، ويمزج لسائر أهل الجنة.
{ عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً }، قال قتادة: سلسة منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤوا، وقال مجاهد: حديدةٌ شديدةُ الجرْيَة. وقال أبو العالية ومقاتل بن حيان: سميت سلسبيلاً لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك. قال الزجَّاج: سميت سلسبيلاً لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق، ومعنى قوله: "تسمى" أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلاً صفة لا اسم.