{عَمَّ}، أصلُه: "عن ما" فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف "ما" كقوله: "فيم"، و"بِمَ"؟ {يَتَسَآءَلُونَ}، أي: عن أي شيء يتساءلون, هؤلاء المشركون؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون: ماذا جاء به محمد؟ قال الزَّجاج: اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم، كما تقول: أي شيء زيد؟ إذا عظمت أمره وشأنه.
ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا فقال: {عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ}، قال مجاهد والأكثرون: هو القرآن، دليله قوله:
{ { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } } [ص: 67]، وقال قتادة: هو البعث. {ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}، فمصدّق ومكذّب، {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}، "كلا" نفيٌ لقولهم, "سيعلمون" عاقبة تكذيبهم حتى تنكشف الأمور.
{ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}، وعيد لهم على أثر وعيد. وقال الضحاك: "كلا سيعلمون" يعني: الكافرين, "ثم كلا سيعلمون" يعني: المؤمنين, ثم ذكر صنائعه ليعلموا توحيده فقال:
{أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَـٰداً}، فراشاً.
{وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً}، للأرض حتى لا تميد.
{وخلقنـٰكم أَزْوَٰجاً}, أصنافاً ذكوراً وإناثاً.
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً}، أي راحة لأبدانكم. قال الزجاج: "السبات": أن ينقطع عن الحركة والروحُ فيه. وقيل: معناه جعلنا نومكم قطعاً لأعمالكم, لأن أصل السبت: القطع.
{وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً}، غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته.
{وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً}، المعاش: العيش, وكل ما يعاش فيه فهو معاش، أي جعلنا النهار سبباً للمعاش والتصرف في المصالح. قال ابن عباس: يريد: تبتغون من فضل الله، وما قسم لكم من رزقه.
{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً}، يريد سبع سموات.
{وَجَعَلْنَا سِرَاجاً}، يعني الشمس، {وَهَّاجاً}، مضيئاً منيراً. قال الزجاج: الوهاج: الوقاد. قال مقاتل: جعل فيه نوراً وحرارة، والوهج يجمع النور والحرارة.
{وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ}، قال مجاهد, وقتادة, ومقاتل, والكلبي: يعني الرياح التي تعصر السحاب، وهي رواية العوفي عن ابن عباس.
قال الأزهري: هي الرياح ذوات الأعاصير، فعلى هذا التأويل تكون "مِن" بمعنى الباء أي بالمعصرات، وذلك أن الريح تستدر المطر.
وقال أبو العالية, والربيع, والضحاك: المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس.
قال الفرّاء: المعصرات السحائب التي تتحلب بالمطر ولا تمطر، كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض.
وقال ابن كيسان: هي المغيثات من قوله:
{ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف:49]. وقال الحسن, وسعيد بن جبير, وزيد بن أسلم, ومقاتل بن حيان: "من المعصرات" أي من السموات.
{مَآءً ثَجَّاجاً}، أي صبّاباً، وقال مجاهد: مدراراً. وقال قتادة: متتابعاً يتلو بعضه بعضاً. وقال ابن زيد: كثيراً.
{لِّنُخْرِجَ بِهِ}، أي بذلك الماء، {حباً}، وهو ما يأكله الناس، {ونباتاً}، ما تنبته الأرض مما تأكله الأنعام.
{وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافاً}، ملتفة بالشجر, واحدها لَفٌ ولفيف، وقيل: هو جمع الجمع، يقال: جنة لفًّا, وجمعها لُفٌ، بضم اللام, وجمع الجمع ألفاف.
{إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ}، يوم القضاء بين الخلق، {كَانَ مِيقَـٰتاً}، لما وعد الله تعالى من الثواب والعقاب.
{يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً}، زمراً زمراً من كل مكان للحساب.
{وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ}، قرأ أهل الكوفة: "فُتِحَتِ" بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد، أي شُقَّت لنزول الملائكة، {فَكَانَتْ أَبْوَٰباً}، أي ذات أبواب. وقيل: تنحلُّ وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق.