التفاسير

< >
عرض

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ
١
عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ
٢
ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ
٣
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٤
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٥
أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً
٦
وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً
٧
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً
٨
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً
٩
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً
١٠
وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً
١١
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً
١٢
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً
١٣
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً
١٤
لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً
١٥
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً
١٦
إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً
١٧
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً
١٨
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً
١٩
-النبأ

معالم التنزيل

{ عَمَّ }، أصلُه: "عن ما" فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف "ما" كقوله: "فيم"، و"بِمَ"؟ { يَتَسَآءَلُونَ }، أي: عن أي شيء يتساءلون, هؤلاء المشركون؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون: ماذا جاء به محمد؟ قال الزَّجاج: اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم، كما تقول: أي شيء زيد؟ إذا عظمت أمره وشأنه.

ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا فقال: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ }، قال مجاهد والأكثرون: هو القرآن، دليله قوله: { { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } [ص: 67]، وقال قتادة: هو البعث.

{ ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ }، فمصدّق ومكذّب، { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }، "كلا" نفيٌ لقولهم, "سيعلمون" عاقبة تكذيبهم حتى تنكشف الأمور.

{ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }، وعيد لهم على أثر وعيد. وقال الضحاك: "كلا سيعلمون" يعني: الكافرين, "ثم كلا سيعلمون" يعني: المؤمنين, ثم ذكر صنائعه ليعلموا توحيده فقال:

{ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَـٰداً }، فراشاً.

{ وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً }، للأرض حتى لا تميد.

{ وخلقنـٰكم أَزْوَٰجاً }, أصنافاً ذكوراً وإناثاً.

{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً }، أي راحة لأبدانكم. قال الزجاج: "السبات": أن ينقطع عن الحركة والروحُ فيه. وقيل: معناه جعلنا نومكم قطعاً لأعمالكم, لأن أصل السبت: القطع.

{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً }، غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته.

{ وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً }، المعاش: العيش, وكل ما يعاش فيه فهو معاش، أي جعلنا النهار سبباً للمعاش والتصرف في المصالح. قال ابن عباس: يريد: تبتغون من فضل الله، وما قسم لكم من رزقه.

{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً }، يريد سبع سموات.

{ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً }، يعني الشمس، { وَهَّاجاً }، مضيئاً منيراً. قال الزجاج: الوهاج: الوقاد. قال مقاتل: جعل فيه نوراً وحرارة، والوهج يجمع النور والحرارة.

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ }، قال مجاهد, وقتادة, ومقاتل, والكلبي: يعني الرياح التي تعصر السحاب، وهي رواية العوفي عن ابن عباس.

قال الأزهري: هي الرياح ذوات الأعاصير، فعلى هذا التأويل تكون "مِن" بمعنى الباء أي بالمعصرات، وذلك أن الريح تستدر المطر.

وقال أبو العالية, والربيع, والضحاك: المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس.

قال الفرّاء: المعصرات السحائب التي تتحلب بالمطر ولا تمطر، كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض.

وقال ابن كيسان: هي المغيثات من قوله: { { فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف:49].

وقال الحسن, وسعيد بن جبير, وزيد بن أسلم, ومقاتل بن حيان: "من المعصرات" أي من السموات.

{ مَآءً ثَجَّاجاً }، أي صبّاباً، وقال مجاهد: مدراراً. وقال قتادة: متتابعاً يتلو بعضه بعضاً. وقال ابن زيد: كثيراً.

{ لِّنُخْرِجَ بِهِ }، أي بذلك الماء، { حباً }، وهو ما يأكله الناس، { ونباتاً }، ما تنبته الأرض مما تأكله الأنعام.

{ وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافاً }، ملتفة بالشجر, واحدها لَفٌ ولفيف، وقيل: هو جمع الجمع، يقال: جنة لفًّا, وجمعها لُفٌ، بضم اللام, وجمع الجمع ألفاف.

{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ }، يوم القضاء بين الخلق، { كَانَ مِيقَـٰتاً }، لما وعد الله تعالى من الثواب والعقاب.

{ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً }، زمراً زمراً من كل مكان للحساب.

{ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ }، قرأ أهل الكوفة: "فُتِحَتِ" بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد، أي شُقَّت لنزول الملائكة، { فَكَانَتْ أَبْوَٰباً }، أي ذات أبواب. وقيل: تنحلُّ وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق.