التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
١
-الأنفال

معالم التنزيل

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } الآية، قال أهل التفسير: سبب نزول هذه الآية هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "مَنْ أتى مكان كذا فله من النفل كذا ومَنْ قَتل قتيلاً فله كذا ومَنْ أسر أسيراً فله كذا" ، فلما التقوا تسارع إليه الشبان وأقام الشيوخ ووجوه الناس عند الرايات، فلما فتح الله على المسلمين جاؤوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الأشياخ: كنّا ردْءَاً لكم ولو انهزمتم لانحزتم إلينا، فلا تذهبوا بالغنائم دوننا، وقام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال: يا رسول الله إنّك وعدت أنّ من قتل قتيلاً فله كذا ومن أسر أسيراً فله كذا وإنّا قد قتلنا منهم سبعين وأسرنا منهم سبعين، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: والله يا رسول الله ما منعنا أن نطلب ما يطلب هؤلاء زهادة في الآخرة ولا جبن عن العدو، ولكن كرهنا أن تعرى مصافك فيعطف عليه خيل من المشركين فيصيبوك، فأعرض عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال سعيد: يا رسول الله إن الناس كثير والغنيمة دون ذلك، فإن تعط هؤلاء الذين ذكرت لا يبقى لأصحابك كثير شيء، فنزلت: "يسألونك عن الأنفال".

وقال ابن إسحاق: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في العسكر فجمع فاختلف المسلمون فيه، فقال مَنْ جمعه: هو لنا، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كلَّ امرىء ما أصاب، وقال الذين يقاتلون العدو: لولا نحن ما أصبتموه، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأينا أن نقتل العدو وأن نأخذ المتاع ولكنّا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرَّة العدو، وقمنا دونه فما أنتم بأحق به منّا.

وروى مكحول عن أبي أمامة الباهليِّ قال: سألت عُبادة بنَ الصامتِ عن الأنفال، قال: فينا مَعْشَرَ أصحاب بدر نزلتْ، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا عن بواء ــ يقول على السواء ــ وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين.

"وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لما كان يوم بدر قُتِل أخي عمير، وقتلتُ سعيد بن العاص بن أمية، وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكثيفة، فأعجبني فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين فهبْ لي هذا السيف، فقال: ليس هذا لي ولا لك اذهب فاطرحه في القَبَض، فطرحته ورجعت، وبي مالا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلاحي، وقلت: عسى أن يعطي هذا السيف من لم يَبْلُ بلائي، فما جاوزت إلا قليلاً حتى جاءني الرسول، وقد أنزّل الله عزّ وجلّ: يسألونك عن الأنفال الآية. فخفت أن يكون قد نزل فيّ شيء فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي، وإنه قد صار لي فاذهبْ فخذْه فهو لك" .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت المغانم لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء، وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرةً أو سِلْكاً فهو غلول.

قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ }، أي: عن حكم الأنفال وعلمها، وهو سؤال استخبار لا سؤال طلب. وقيل: هو سؤال طلب، قاله الضحاك وعكرمة. وقوله: { عَنِ ٱلأَنفَالِ }، أي: من الأنفال، عن بمعنى من. وقيل: عن صلة، أي: يسألونك الأنفال، وهكذا قراءة ابن مسعود بحذف عن. والأنفال: الغنائم، واحدها: نَفَل، وأصله الزيادة، يقال: نفلتك وأنفلتك أي زدتك. سُمِّيت الغنائم أنفالاً: لأنها زيادة من الله لهذه الأمة على الخصوص.

وأكثر المفسرين على أن الآية في غنائم بدر. وقال عطاء: هي ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء.

قوله تعالى: { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ }، [يقسمها كما شاءَ] واختلفوا فيه، فقال مجاهد وعكرمة والسُّدي: هذه الآية منسوخة بقوله عزّ وجلّ: "واعلموا أنّما غَنِمْتُمْ من شيء فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وللرسول". كانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم فنسخها الله عزّ وجلّ بالخُمس.

وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: هي ثابتة غير منسوخة، ومعنى الآية: قل الأنفال لله مع الدنيا والآخرة وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى، أي: الحكم فيها لله ولرسوله، وقد بيّن الله مصارفها في قوله عزّ وجلّ:"واعلموا أنّما غَنِمْتُمْ من شيء فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وللرسول" الآية.

{ فَٱتَّقُواْ الله وأَصْلِحُوا ذَاتَ بينكم }، أي: اتّقوا الله بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة والمخالفة، وتسليم أمر الغنيمة إلى الله والرسول. { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }.