{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ }، ليس بتفسير عليين, أي مكتوب أعمالهم, كما ذكرنا في كتاب الفجار، وقيل: كتب هناك ما أعد الله لهم من الكرامة، وهو معنى قول مقاتل. وقولهم: رقم لهم يخبر. وتقدير الآية على التقديم والتأخير, مجازها: إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين، وهو محل الملائكة، ومثله إن كتاب الفجار كتاب مرقوم في سجين، وهو محل إبليس وجنده.
{ يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ }، يعني الملائكة الذين هم في عليين, يشهدون ويحضرون ذلك المكتوب، أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين.
{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ }، إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعمة، وقال مقاتل: ينظرون إلى عدوهم كيف يعذبون.
{ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ }، إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة مما ترى في وجوههم من النور والحسن والبياض، قال الحسن: النضرة في الوجه والسرور في القلب، قرأ أبو جعفر ويعقوب: "تُعْرَف" بضم التاء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل "نُضْرةُ" رفع, وقرأ الباقون بفتح التاء وكسر الراء, "نضرةَ" نصب.
{ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ }، خمر صافية طيبة. قال مقاتل: الخمر البيضاء. { مَّخْتُومٍ }، ختم ومنع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار، قال مجاهد: "مختوم" أي مطّين.
{ خِتَامُهُ }، أي طينه، { مِسْكٌ }، كأنه ذهب إلى هذا المعنى، قال ابن زيد: ختامه عند الله مسك, وختام خمر الدنيا طين. وقال ابن مسعود: "مختوم" أي ممزوج ختامه أي: آخر طعمه، وعاقبته مسك, فالمختوم الذي له ختام، أي آخر, وخَتْمُ كلِ شيء الفراغ منه. وقال قتادة: يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك.
وقراءة العامة { خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ } بتقديم التاء، وقرأ الكسائي "خاتمه" وهي قراءة علي وعلقمة, ومعناهما واحد, كما يقال: فلان كريم الطابع والطباع والخاتم والختام آخر كل شيء.
{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ }، فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله عزّ وجلّ. وقال مجاهد: فليعمل العاملون، نظيره. قوله تعالى:
{ { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ } [الصافات: 61]، وقال مقاتل بن سليمان: فليتنازع المتنازعون وقال عطاء: فليستبق المستبقون، وأصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس، ويريده كل أحد لنفسه وينفس به على غيره، أي يضِنُّ.